الدستور التونسى.. بين البسط والقبض - امال قرامى - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدستور التونسى.. بين البسط والقبض

نشر فى : الثلاثاء 11 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 11 يونيو 2013 - 8:00 ص

خرج علينا الدستور فى نسخته الرابعة بعد طول انتظار، بعد أن ملّ التونسيون والتونسيات وكلّوا وكابدوا فى سبيل أن ينتهى النوّاب من كتابة دستور بلغت تكلفته 114 مليارا فى سياق تعانى فيه البلاد من ازدياد نسبة البطالة وارتفاع الأسعار وهشاشة فى بنية الاقتصاد.

 

بيد أن مسودة الدستور لا تزال تثير ردود فعل متباينة بين سياسيين مدّاحين، يشيدون بمحاسن إنجاز اعتبروه ثوريّا تقدميّا حداثيّا عاكسا لإرادة التونسيين، ومعبّرا عن روح توافقية.. وخبراء فى القانون الدستورى يؤكدون وجود ثغرات ومتناقضات وغياب روح الانسجام فى الصياغة مع بروز روح التسلط وإصرار على تجاهل المعايير الدولية شكلا ومضمونا.

 

وغير خاف أن النسخة الرابعة للدستور تعكس المناخ السائد فى البلاد. فالقارئ أو القارئة فيما وراء السطور ينتبه بيسر، إلى وجود ملامح الاستقطاب الحدّى: فلكلّ طرف مشروعه وتصوّره الخاصّ للمجتمع التونسى المنشود، وهو مضطرّ مع ذلك، للخضوع لمنطق البسط والقبض وللعبة الكرّ والفرّ، يتنازل يوما ليس عن طيب خاطر، وإنّما تقتضى الحكمة التسليم بمبدأ التفاوض وفى المقابل نراه يُحكم سدّ المنافذ على خصومه مردّدا «يوم عليك ويوم إليك».

●●●

 

مسودة الدستور تفضح ألاعيب أغلب السياسيين: تبرز النفاق والمكر والدهاء والخداع، تكشف النقاب عن رغبات البعض وشدة توقهم إلى نيل السلطة ومدى استعدادهم للتضحية بكل شىء فى سبيل نيل المراد، وتُبين أيضًا عن أساليب إحكام القبضة على كلّ المؤسسات والهياكل باسم القانون. وليس أدلّ على ذلك ما ختمت به المسودة «بعد ختم هذا الدستور، وإلى حين انتخاب مجلس نواب الشعب للمجلس الوطنى التأسيسى سنّ قوانين وإحداث هيئات تؤمن نفاذ أحكام الدستور. والله ولى التوفيق».

 

لقد اختار الشعب نوّابا ليكتبوا دستورا فى سنة فإذا بهم يتلكؤون يختلقون الحجج والبراهين ليبرّروا أسباب البقاء والقرار فكيف بربّك «نسألهم الرحيل». إن لمواقع إصدار القرار بهرج لا يضاهيه أى بهرج. «وقل ربّى زدنى من نعيمك زدنى».

 

مسودة الدستور «حمّالة أوجه» تعكس ثنائية الظاهر والباطن، المعلن والمضمر، تشدّك إلى قيم الحداثة فتزهو للتنصيص على حرّية التعبير، وحرّية الضمير، وحرّية المعتقد.. ثمّ سرعان ما تقذف بك فى عالم تسيّجه تعاليم الإسلام الشمولية وتشدّ أزره مرتكزات البطريكية فإذا نحن إزاء صورة الدولة المتماهية مع صورة الأب. «الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد.. حامية للمقدسات.. ضامنة لحياد المساجد» وإذا نحن إزاء فرد لا يعترف به إلا متى انخرط فى مؤسسة الزواج.

 

تثبت مسودة الدستور مرة أخرى أن الأغلبية ما زالت تتفنن فى إدارة الازدواجية والتلفيقية والتوفيقية، تراوغ، وتجاهد فى سبيل تحقيق حلم طالما راودها: إرساء معالم الدولة الدينية، وإن اضطرت اليوم إلى إظهارها فى لبوس عصرى لا يحمل من الحداثة إلاّ شعارات ستحوّل عمليات التأويل مجراها.. تُجيد الأغلبية تحميل المعانى دلالات تتلاءم مع مقاصدها لا يفقهها إلا أولو الألباب من الإخوان والأتباع.

●●●

دستور 1959 كان معبّرا عن إرادة الشعب وتصميمه على بناء الدولة الحديثة وكنّا نخال أنّ دستورا جاء بعد ثورة سيكون مرسخا لمبدأ «الشعب يريد» فهو المؤسس لتونس الغد وهو المشرّع فإذا بإرادة الشعب تتوارى لصالح «تأسيسا على تعاليم الإسلام»، وكنّا نحسب أنّ ثورة أنجزها الشباب ستكفل لهم دستورا معبرا عن طموحاتهم وتصوّراتهم ونظرتهم إلى الحياة فإذا بنا إزاء ذرّ الماء على العيون: «الشباب قوّة فاعلة فى بناء الوطن» وستتكفل الدولة وستضمن الدولة وسترعى الدولة حقوقه.

 

لقد أثبتت التجربة أن قطع الوعود دون تنفيذها محبط وأن بيع الأوهام منذر بالخراب، وقديما لعن الفقهاء أسلوب التسويف أفلا تعقلون؟

التعليقات