الثمن - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثمن

نشر فى : الجمعة 11 مارس 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الجمعة 11 مارس 2016 - 9:30 م
على استحياء، فى صمت، يعرض الفيلم، من دون ف أو إعلان، شأنه فى هذا شأن الكثير من الأعمال، ذات الميزانيات المحدودة، المتواضعة، التى جرت العادة على تسميتها «المستقلة»، وتجنبا للجدل حول مواصفات السينما المستقلة، يمكن القول، بلا مغالاة، أن معظم أفلامنا، خاصة، تلك التى تنتجها الشركات الصغيرة، تندرج فى باب «المستقلة»: لا تعتمد على كبار النجوم، تتحاشى إيجار الاستوديو، تحذف بند الديكور، تستخدم كاميرات حديثة، محمولة باليد، أخف وزنا وأقل تكلفة من الكاميرات التقليدية.. هذه المسائل، وغيرها، لا تمنح السينما المستقلة قيمة مطلقة، ولا تجعلها أقل شأنا، وبالتالى، يليق بالنقد أن يقيم كل فيلم، على حدة.

كاتبة السيناريو، أمل عفيفى، اعتمدت على روايتها «ديما»، الصادرة منذ عدة شهور، ولقيت ترحيبا نقديا مرموقا، خاصة بقلم الناقد الكبير، صلاح فضل.. «ديما»، هو اسم البطلة، البنت السورية التى وفدت إلى مصر عقب دخول بلدتها فى دائرة النار والدمار.. تتخبط فى القاهرة، تنتقل من تجربة مرة إلى أخرى أشد مرارة، تواجهها جميعا برباطة جأش، رافضة أن تغدو دمية بين يدى رجل فاسد يعمل بالمحاماة، إلى أن تلتقى بأحد ضحايا ذلك المحامى، الشاب مجدى، الذى يعيش على حافة مأساة مزدوجة: زوجة مصابة بأورام تتطلب إجراء جراحة عالية التكاليف، سيتكفل بها المحامى، بشرط قيامه بقتل المفكر، جلال محمود، العلمانى، المستنير.

على الشاشة، تراجع حضور ديما، بأداء الممثلة الجيدة، الأردنية، صبا مبارك، مفسحة المجال للبطولة الذكورية، التى يجسدها مجدى ــ عمرو يوسف ــ خريج الجامعة، المضطر للعمل سائق تاكسى، بعد فشله المتوالى فى الحصول على وظيفة بمؤهله.. يتابع الفيلم تعرف «مجدى» إلى المحامى ــ صلاح عبدالله ــ الذى يمده بالمال، لعلاج زوجته، ويطلب منه القضاء على عدو الله، الكافر، العلمانى، جلال محمود ــ عبدالعزيز مخيون ــ كمفكر مستنير، على درجة كبيرة من الوعى.. نسمعه تارة فى ندوة، وثانية فى برنامج تلفازى، وثالثة فى مناقشة. إنه فكرة، أكثر من كونه إنسانا من لحم ودم.

تتوالى مواقف «الثمن» بخمول، متباطئة. البطولة لا تظهر إلا قبل منتصف الفيلم قليلا، تتحدث عن الخراب الذى حدث لوطنها، بالإضافة لأهوال الهرب من بلد لآخر.. لم يفكر المخرج الكسول، هشام عيسوى، تحويل السرد البليد إلى صور سينمائية، أو حتى تتطوع المونتيرة، منار حسنى، بتعزيز كلام «ديما» بلقطات أرشيفية وما أوفرها.

أعتذر عن كلمة «الكسول» التى استخدمتها، ربما استفزنى «عيسوى»، لأن طاقته الإبداعية تسطع على الشاشة، بين الحين والحين، لتؤكد إمكاناته التى سرعان ما يبخل بها.. فمثلا، ثمة مشهد بالغ القوة، غير مسبوق فى أفلامنا، برغم انتشاره، واقعيا: زوجة «مجدى» تفارق الحياة، إثر العملية الجراحية التى كلفته تسعين ألف جنيها، هى ثمن اغتياله للمفكر.. يفاجأ برفض تسليمه الجثمان إلا بعد دفع بقية المستحقات، ثلاثين ألف جنيه.. هنا، تنشط كاميرا المصور، كريم الحكيم، التى تتابع، انفعالات الرجل المكلوم، الحادة، الغاضبة، مقابل برود موظفين لا قلب لهم. إنه مشهد فريد، صادق، صادم، لا يتكرر فى الفيلم.

لم تكترث كاتبة السيناريو، أمل عفيفى، بالخط المتعلق بدوافع المحامى إلى اغتيال المفكر، برغم أن هذا الخط المثير كان من الممكن أن يقوى بناء الفيلم ويجعله أقل برودة، ذلك أنه يتعلق بشقيق المفكر، المنحرف، المدمن، شريف، بأداء «مجدى بدر» الذى لا يظهر سوى فى لقطات متباعدة، متعاطيا المخدر الأبيض، فى مكتب المحامى، محرضا على سرعة قتل أخيه، كى يرث ماله، لينفقه على المزاج.. لم يكترث الفيلم بتلك العلاقة المركبة، ذات الدلالات الأوسع، التى كانت كفيلة بالتقليل من برودة «الثمن»، الباهت، الذى تنساه عقب خروجك من دار العرض.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات