زيزى البدراوى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زيزى البدراوى

نشر فى : الثلاثاء 11 فبراير 2014 - 6:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 11 فبراير 2014 - 6:20 ص

جاءت فى غير أوانها، وبالتالى لم يكن الجمهور ــ برغم موهبتها ــ مهيأ للهيام بها.. فقط يستقبلها بترحيب خفيف، محسوب بدقة، على ألا تنفرد بالصدارة، فلابد أن تطالعنا بجوار من هو أو هى الأهم، والأكثر فاعلية.. فى البدايات، مع مقدم الستينيات، ظهرت زيزى فى صورة البنت الرقيقة، الخجولة، البريئة، النحيلة، بتقاطيع وجه متسقة، ذات طابع رومانسى، ببشرة بيضاء مثل قلبها، وعيون صادقة، تعبر بشفافية عما يختلج فى صدرها، فضلا على طاقة إبداعية فى الأداء، لا يمكن إغفالها، وهى السبب الجوهرى، فى استمرار حضورها على الشاشة، لسنوات مقبلة.. لكن، ثمة عناصر فى الشخصية التى انتقلت بها من فيلم لآخر، جعلت شعبيتها محدودة، خافتة، متناقصة، إلى أن اختارت، وربما أجبرت، على الانزواء بعيدا، طوال عقدين من الزمان، ليس بسبب زوج غيور كما يقال، ولكن لسبب آخر، سيقال حالا، بعد الإشارة إلى عودتها من جديد، خاصة على الشاشة الصغيرة، برونق فى لمعان الألماس، متأنق ومبهر، برغم زحف تجاعيد الزمن، التى تزحف على عنقها، وحول الفم والعينين.

فى أفلامها الأولى، ارتبطت رومانسية زيزى البدراوى بالوهن، وغياب العزيمة، وقلة الحيلة، وهيمنة العاطفة على العقل، والميل للاستسلام.. فى «إحنا التلامذة» لعاطف سالم 1959، تؤدى دور الريفية الساذجة، الجاهلة، ابنة خادم الأسرة الارستقراطية، تذعن لأحضان الشاب العابث، وحيد الأسرة المتسيبة.. وها هى، تنهمر دموعها مدرارا، قبل أن تموت أثناء إجهاضها.

على ذات المنوال، تتوالى أدوارها.. إنها الأضعف بين أخواتها جميعا فى «السبع بنات» لعاطف سالم 1961، وفى «امرأة على الهامش» لحسن الإمام 1963 تستسلم لإغواء الشاب المستهتر، حسن يوسف، وتقع فى قبضة الحيرة إزاء الجنين الذى تحمله فى أحشائها، وفى «أرملة وثلاث بنات» لجلال الشرقاوى 1965، تنهار عصبيا، بعد أن أفقدها خطيبها أعز ما تملك، قبل أن يهجرها.

لم يكن جمهور أواخر الخمسينيات مهيأ لمتابعة فواجع البنت الطيبة، الغلبانة، الضحية، التى يفترسها الذئاب، ذلك أن نوافذ الأمل، فى هذه الفترة، تفتحت أمام الجميع، خاصة البنت المصرية، بإتاحة فرص العلم والعمل أمامها، وبالتالى، لم تعد المرأة المغلوبة على أمرها، حبيسة البيت، المتعلة بأهداب الرجل، الباكية المتشكية، هى النموذج القابل للمشاهدة والتعاطف، كما كان الحال من قبل، أيام أمينة رزق ثم مريم فخر الدين، وإلى حد ما ماجدة وفاتن حمامة، قبل أن يستجيب للواقع الجديد، فتقدم ماجدة فيلمها الاحتجاجى «أين عمرى» لأحمد ضياء الدين 1956، وتغدو فاتن حمامة قادرة على الفعل وتحريك الأحداث كما فى «لا أنام» لصلاح أبوسيف 1957.. جمهور أواخر الخمسينيات، المتشبع بقيم الإرادة، المؤمن بقدرة البشر على المساهمة فى صنع المستقبل والمصير، كان من المنطقى أن تبعث النماذج الهشة، القابلة للانكسار ــ التى دأبت زيزى على تقديمها ــ قدرا متزايدا من الضجر، بالضرورة إلى انخفاض أسهمها، فى الوقت الذى شهد مزيدا من لمعان نجمى نادية لطفى، وسعاد حسنى، شقيقتى زيزى فى «السبع بنات».

فى التسعينيات، عادت زيزى البدراوى لتجسد شخصيات لا علاقة لها بما كانت تقدمه فى الماضى، ولعل دورها فى «ليالى الحلمية» أن يبقيها فى قائمة الفن الرفيع.. الكاتب القدير، أسامة أنور عكاشة، أبدع شخصية نجاة عبدالفتاح سلطان، وقدمتها زيزى على نحو عميق التفهم، إنها، ابنة المسئول الأمنى الكبير، يخفق قلبها بحب المناضل، الفدائى، الشهيد، طه السماحى ــ عبدالعزيز مخيون ــ وهى، على النقيض من كل أدوارها السابقة، ذات إرادة من حديد، تقف على أرض نفسية صلبة، تجيد التصرف، تواجه تصارعا إن دعت الضرورة، وخلال الحلقات التى ظهرت فيها، تمثل بروحها وليس بملامح وجهها فقط.. فى عيونها، نشهد معانى المحبة، التعاطف، التفهم، القدرة على المنح والتعاطف، فضلا على صحة الاختيارات.. لذا قال عنها سليم البدرى.. يحيى الفخرانى ــ داخل المسلسل، بعد أن تزوج عدة مرات، إنها أفضل امرأة قابلها فى حياته.. أحسب أن صورة زيزى البدراوى، فى عالم الأطياف، لن تغيب عن الأفئدة، بأدائها الخلاب، فى «ليالى الحلمية».

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات