صراع الأبطال - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صراع الأبطال

نشر فى : الثلاثاء 10 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

العنوان، يوحى باندلاع معارك، ومطاردات، ومواجهات جثمانية، وربما إطلاق نيران وجرحى وقتلى، ثم انتصار الأخيار على الأشرار.. لكن الفيلم الذى حققه أستاذنا توفيق صالح 1962، بعد ستة أعوام من «درب المهابيل»، لا علاقة له بالعناصر المذكورة، فالصراع هنا، وإن جاء عنيفا، شرسا، إلا أن طبيعته معنوية قبل أن تكون مادية فهو يدور بين الوعى والتخلف، والعلم والجهل، العدل والظلم.. أى ميادين الوغى التى قلما اهتمت بها السينما المصرية.. الفيلم ينتمى إلى «الواقعية» ليس بمعنى أنه يصور الواقع، ولكن بمعنى أنه يرى الواقع لا يجسده وحسب، بل يفسر ويحلل الأسباب والعوامل التى كونت وبلورت هذا الواقع.. وسيلة الاكتشاف هنا، هى الطبيب الوافد إلى إحدى قرى مصر المنسية، إبان عام 1948 أيام اجتياح وباء الكوليرا للبلاد مخلفا مائة ألف ضحية.

منذ المشاهد الأولى يتبلور أسلوب توفيق صالح: الطبيب، شكرى سرحان، بجانب صديقه، ضابط الشرطة، حسين قنديل، داخل عربة جيب، تنطلق فى الطريق الترابى، من محطة السكة الحديد، إلى القرية. فجأة، يقطع الطريق رجل يندفع نحو الترعة، خلفه عدد من الأهالى، بعضهم يلقى بنفسه خلفه لإنقاذه من الغرق، يخرجون به من المياه يزج به فى السيارة يُقال إنه فقد قواه العقلية.. هكذا، مشهد طويل، يتكون من عدة لقطات تتابع خط سير العربية تقطعها مواقف فجائية، محدثة قدرا كبيرا من الإثارة والحيوية.. بأصابع خبيرة، يتلمس الطبيب الورم الظاهر فى صدغ الفلاح، يعلن أنه مريض بـ«البلاجرا»، الناتج عن سوء التغذية وأنه ليس مصابا بمس من جنون كما يزعم مفتش الصحة المتواطئ مع عائلة «عادل بك» المهيمنة على القرية والكارهة لهذا الفلاح الذى يناصبها العداء، يكشف الطبيب أن القرية تعيش على فضلات معسكر الجيش البريطانى، وبعضها فاسد، الأمر الذى ينذر بعواقب وخيمة، سرعان ما تأتى حاملة معها.. الوباء.

معركة الطبيب الشريف، الإيجابى ليست ضد الفقر وحسب، ولا ضد العائلة الإقطاعية فقط ولكن ضد الجهل فى المحل الأول، فالناس لن تغير واقعها إلا إذا أدركت واقتنعت بضرورة التغيير.. قوى الجهل المنتشرة خلف مقولات ذات طابع دينى، تعوق المشوار التنويرى للطبيب حتى إن الفلاحين يكادون الفتك به حين يفتح مقبرة لأخد عينة من جثة طفل يرسلها لمعامل الصحة فى القاهرة لمعرفة أسباب الوفاة.. مفتش الصحة، القابلة، التى تؤدى دورها القديرة نجمة إبراهيم، العائلة المتعاملة مع معسكر المحتلين.. كلهم يشحنون الناس ضد الطبيب ولا ينقذه إلا برقية تأتى من العاصمة تؤكد أن الطفل مات بالكوليرا وعلى الأمن منع الأهالى من مغادرة القرية لتجنب انتقال الوباء.

قوة ومتانة أسلوب توفيق صالح، تتجلى فى إخراجه لمشاهد المجاميع.. الفلاحون، فى حالة هلع خوفا من التطعيم والحصار، يندفعون بلا هوادة للخروج من القرية، الكاميرا ثابتة عند مفترق طرق جحافل هائمة آتية من هذا الاتجاه، أخرى قادمة من اتجاه آخر يختلط الجمعان الهائمان، وقوات الأمن تتصدى لهم. الفلاحون يتراجعون، يتصادمون. يسقط البعض تحت الأقدام. البعض الآخر يلقى بنفسه فى الترعة إنه من أعمق مشاهد الفيلم، وربما فى السينما المصرية تأثيرا ليس بسبب حيوية بنائه الفنى وحسب، بل لمغزاه الفكرى العميق، فهنا تجسيد دقيق لقوة الجهل حين تحول الأهالى إلى كتل بشرية، تتخبط بلا وعى أو إرادة بصرف النظر عن نهاية «صراع الأبطال»، حيث يبدد البطل شيئا من ظلام العقول، ويغادر القرية متجها لمكان آخر، يبقى للفيلم، إلى جانب إنجازه الإبداعى وقوفه الحاسم ضد الفساد والتواطؤ، وتأكيده على قيمتى العلم والوعى، كضرورة للتقدم والعدل.. قيمتان، ما أحوجنا لهما سواء فى الماضى، أو الحاضر، أو المستقبل.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات