ساراتان - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ساراتان

نشر فى : السبت 10 أبريل 2010 - 9:42 ص | آخر تحديث : السبت 10 أبريل 2010 - 9:42 ص

 «قرغيزيا»، الدويلة المنسية بآسيا الوسطى، ارتفع اسمها، فجأة، منذ سنوات، لأسباب لا علاقة لها بالأسباب الدموية التى أديت لترديد اسمها هذه الأيام، وإن كان ثمة وشائج، ربما غير مباشرة، بين ما كان وما أصبح.

فى إحدى دورات مهرجان مراكش لم يلتفت أحد، فى البداية، إلى فيلم له عنوان غريب، هو «ساراتان»، أخرجه رجل غير معروف، اسمه إرنست شابروف، قادم من بلد لا شهرة له فى عالم السينما. ولكن ما إن عرض الفيلم حتى أثار مزيجا من الدهشة والإعجاب: «الفيلم فقير إنتاجيا، يخلو من النجوم، أبطاله من ذوى السحن المنهكة، القادمة من قلب الحياة، تدور وقائعه فى أقل من يومين، يستعرض خلالهما، على نحو ساخر، طبيعة العلاقات داخل مجتمع ضنين، يعانى فيه الجميع، بدرجات متفاوتة: العمدة، فى الصباح الباكر، لم يغادر فراشه بعد. زوجته تشكو من تدهور مستوى معيشتهم.

يفسر لها سبب وضعه المتردى بأنه يرفض الرشاوى، وتعلق زوجته تعليقا كاشفا، جامعا بقولها: «إنك لا تأخذ الرشاوى لأن أحدا لا يقدمها لك».. وبنظرة واحدة يبدو العمدة وكأنه يدرك أن الناس، فى قريته الجبلية، ليس عندهم ما يقدمونه.. ولاحقا، حين تتجمع الأرامل أمام مكتبه، فيما يشبه المظاهرة، يطلبن مستحقاتهن الشهرية المتأخرة، يشرح لهن الظروف كالتالى: «ماذا نفعل كانت النقود تأتى من موسكو، لكن روسيا استقلت الآن وبالتالى..»، هكذا ــ روسيا استقلت! ــ بهذه الجملة المختزلة، شديدة الوضوح، يعبر الفيلم عن وجهة نظر الأقاليم البعيدة التى انفصلت عن الاتحاد السوفييتى.. وبذات اللهجة التى تحمل طاقة كوميدية، يقول العمدة للمتذمرين «فى الماضى، كان الشعب يعتمد على الحكومة. والآن عليكم أن تفهموا أن الحكومة هى التى تعتمد على الشعب».. ما يميز هذا الفيلم أن السياسة لا تأتى من خارجه، بل تسرى فى شرايينه، وأن الكوميديا ليست من أجل الضحك فقط، ولكن تهدف للإدراك والتنوير.

تتوالى شخصيات الفيلم: رجل الشرطة الوحيد، فى نقطة مهملة، زير نساء، مفتون بنفسه، يريد أن يكون فاسدا إلى أبعد الحدود.. وثمة اللص الجائع، بازدواجيته الأخلاقية. يعترض على سلوك رجل الشرطة، ولا يفوته أن «يُبَسْمل» قبل ذبح المعزة التى سرقها، كى يكون لحمها حلالا.. أما عن عنوان الفيلم «ساراتان» فإنه اسم مغنٍ شهير، يقال إنه سيأتى ليقدم أناشيد الأمل، وينتظره الأهالى، لكنه لا يأتى، مما يزيد من قنوط الناس.. «ساراتان»، عن جدارة، خطف النجمة الذهبية لمهرجان مراكش، منذ عدة سنوات، والأهم أنه يفسر، على نحو ما، ما يجرى فى «قرغيزيا» هذه الأيام.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات