بركات - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 7:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بركات

نشر فى : الثلاثاء 9 يونيو 2009 - 8:27 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 يونيو 2009 - 8:27 م

 فى مشهد مصرع «هنادى»، فى «دعاء الكروان» الذى أخرجه هنرى بركات 1959، لم نر قطرة دم واحدة على الشاشة: الخال، عبدالعليم خطاب، يلتفت نحو زهرة العلا معطيا ظهره للكاميرا، يرفع يده اليمنى لأعلى وقد أمسك بخنجر، يهوى به على قلب ضحيته، تنتقل الكاميرا لترصد رد الفعل على شقيقتها فاتن حمامة، التى يكتسى وجهها المرهف بمزيج من الذعر والألم، يهتز جسمها كما لو أن الطعنة أصابتها هى، تتحرك الكاميرا لتتابع الأم، أمينة رزق، تهيل التراب على رأسها «مولولة».

هنا، يتجلى أسلوب المخرج الكبير الذى نحتفل بعيد ميلاده الخامس والثمانين يوم 11يونيو، والذى رحل فى 26 مايو 1997، بعد أن حقق ثمانين فيلما، اتجه فيها نحو كل الأنواع: الغنائى ،حيث قدم صباح لأول مرة فى «القلب له واحد» 1945، و«هذا جناه أبى» فى ذات العام، واكتشف محرم فؤاد وسعاد حسنى فى «حسن ونعيمة» 1959، وإلى جانب الكوميديا مثل «شعبان تحت الصفر» 1980، و«حسن بيه الغلبان» 1982، أهدى السينما المصرية عدة أفلام سياسية جميلة ورقيقة، طبعا على رأسها «فى بيتنا رجل» 1961، و«الباب المفتوح» 1963، وتمتزج عنده الرومانسية بالقضايا الاجتماعية، خاصة فى أفلامه التى اعتمد فيها على روايات إحسان عبدالقدوس «أختى» و«الخيط الرفيع»، كلاهما عام 1971، يضاف لهما «الحب الضائع» المأخوذ عن رواية لطه حسين 1970.

أفلام بركات، أيا كانت أنواعها، لها سمات لا تخطئها العين، فمهما كان الواقع الذى يعبر عنه قاسيا ودميما، فإنه لا يخدش إحساس المتلقى بالقسوة ولا يفقأ عينه بالدمامة، وهو فى هذا لا يزيف ولا يتعسف فى فرض جماليات شكلية، فمشهد اغتصاب «عزيزة»، بأداء فاتن حمامة، فى «الحرام»، يتعمد الابتعاد بالكاميرا عن الحفرة، التى يدور فيها الصراع بين «عزيزة» والرجل، فلا نرى، من بعيد، سوى ذراعيها ورأسها قبل أن تختفى فندرك أنها تهالكت فى القاع، وحين تضع جنينها فى ولادة متعثرة لا يطالعنا إلا وجه فاتن حمامة المتفصد بالعرق الناضح بالألم.

العنف يتوافر فى أفلام بركات، لا ينقله على الشاشة، ولكن يعبر عنه بطريقته. فى كلاسيكيته «أمير الانتقام» 1950، الفيلم الذى أعاد إخراجه بعنوان «أمير الدهاء» 1964، ثمة ثلاث عمليات قتل، كلها تدور أمامنا، ومع هذا لا نكاد نرى نقطة دم واحدة، أو حتى جثة مثخنة بالجراح، ذلك أن بركات، بنزعته الشاعرية، يكتفى بسقوط المقتول من أمام الكاميرا.. بركات، أمير الواقعية الشعرية.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات