مدكور ثابت - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 5:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدكور ثابت

نشر فى : الأربعاء 9 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 يناير 2013 - 8:00 ص

الوحيد، بين كل زملاء جيله، الذى لم تفارق الضحكة وجهه، حتى لو اختفت أو تشاجر أو غضب، وحين التقينا، فى بداية الستينيات، مع دخوله معهد السينما، بدا بشوشا، متفائلا، ذكيا ونهما للثقافة والمعرفة، يبهرنا بتحليلة للأفلام، خاصة تلك التى يعرضها نادى سينما القاهرة، برئاسة الرجل الدءوب، المخلص، أحمد الحضرى، الذى عرفنا على أعمال فللينى وبرجمان وغيرهما من رواد الحداثة، الأمر الذى جعلها تثير، عندنا، دهشة ممتزجة بالإعجاب، وتدفعنا، عقب مشاهدتها فى سينما أوبرا بالعتبة، إلى الجلوس فى أحد مقاهى وسط البلد، أو الوقوف عدة ساعات، حول عربة حمص الشام، نتدفأ بمشربه الساخن، فى ليالى الشتاء الباردة، أيام كانت صحتنا تتحمل الصقيع وتمكننا من السهر طوال الليل، وجرت العادة أن يغدو مدكور ثابت، مرجعية تفسير وتحليل تلك الأفلام البديعة، التى لا تخلو من غموض، والتى تدفعنا إلى الثورة ضد السينما المصرية، بأنماطها المتكررة.. ومن جوف هذه الثورة، تبلورت «جماعة السينما الجديدة» و«جمعية نقاد السينما المصريين» و«جماعة السينمائيين التسجيليين المصريين» وطبعا، أصبح لمدكور حضور فعال، إيجابى، فى هذه التجمعات.

 

قاهرة الستينيات، بفرص العمل بها، وبجامعاتها، ومعاهدها، كانت تفتح ذراعيها للجميع، بمن فى هذا أبناء الطبقات المتواضعة ــ مثلنا ــ فها هو مدكور، القادم من الفيوم، الناجح فى اختبارات القبول بمعهد السينما، يجد، مع زملائه، مساكن متوافرة، ينتقل بينها، حاملا معه ثلاثة أشياء: حقيبة صغيرة بها ملابس قليلة، وكمية ضخمة من الكتب، يربطها بدوبارة، ومقص كبير يضعه فوق صف الكتب.. وبعد إلحاح منا لمعرفة سر هذا المقص الذى يحتفظ به كما لو أنه جوهرة ثمينة، أخبرنا، بوجهه البشوش، أنه يجسد عنده أغلى الذكريات وأعزها، ذلك أنه مقص والده، يعيد له صورة والده فى عنفوانه، أيام كان يجرى به، بمهارة، على قطع القماش، فيحولها إلى جلابيب شديدة الأناقة.. وظل المقص، طوال نصف قرن، مصدرا للبهجة، وذكرى طيبة، دائمة التجدد.

 

تعلم مدكور، من الحياة، ومن السينما، أن الحديد من الممكن أن ينطق، وأن يعبر، لذا حقق أول فيلم تسجيلى له، بعد تخرجه بامتياز، بعنوان «ثورة المكن»، الذى قام ببطولته تروس ومحابس ومضخات ماكينات المصانع!.. الفيلم جاء عقب هزيمة 67، بمثابة تعليق عليها. يبدأ برصد حركة الآلات الناعمة، البطيئة، ثم، مع صوت انفجارات، تعبر عن الحرب تتحول الحركة إلى ما يشبه المارش العسكرى: سريعة، قوية، منتظمة، واثقة، كأنها تشير إلى طريق تجاوز النكسة.. اعتبر الفيلم حدثا ثقافيا، ونال تقديرا رفيعا فى المهرجانات الدولية، وفاز بالجائزة الأولى فى مهرجان الإسكندرية 1969.. فيما بعد، سيخرج المزيد من الأفلام التسجيلية: «على أرض سيناء» 1975، «الشمندورة والتمساح» 1980، «السماكين فى قطر» 1985..

 

حركة السينمائيين الشبان، فى ضغطها المتوالى من أجل الدخول عالم الفيلم الروائى، نجحت فى انتزاع فرصة لثلاثة مخرجين، كى يقدموا ثلاثة أفلام قصيرة، بعنوان «صور ممنوعة» 1972، يعرضوا فى شريط واحد. وبينما اتجه محمد عبدالعزيز، وأشرف فهمى، فى فيلميهما «ممنوع» و«كان»، اتجاها واقعيا وتقليديا، تعهد مدكور ثابت أن يقدم عملا موغلا فى تجريبيته، بعنوان «قصة الأصل والصورة فى قصة نجيب محفوظ المسماة الصورة».. وربما لو شاهدنا الفيلم الآن، بعد أربعة عقود من ظهوره، سيبدو لنا جريئا، لكن مفهوما، ينهض على فكرة البحث عن قاتل صاحبة الصورة المغدورة، وخلال التحقيق تتجه الإدانة إلى أطراف اجتماعية وأخلاقية فاسدة فى مصر، حينذاك.. وفى «الأصل والصورة».. يظهر المخرج، مذكور ثابت، بنفسه، عقب الربع الأول من الفيلم، ليعتذر لجمهور الصالة، عن ضرورة إعادة سرد ما سبق، ويطلب، فى النهاية، أن يستنتج المتفرج ويحدد شخصية القاتل.. أسلوب مدكور ثابت، المتأثر بتعاليم برتولد بريخت، وآخرين من الحداثيين، لم يكن مستساغا فى سبعينيات القرن الماضى، وبالتالى لم ينجح الفيلم فى حد ذاته، ولكن فتح باب التجريب والخيال الجامح، لسينما رأفت الميهى ومحمد شبل.

 

عمل مدكور ثابت أستاذا فى معهد السينما، وأصبح له تلامذة موهوبون داخل وخارج مصر، وشاهدت مدى محبته، فى قلوب أبنائه، فى المهرجانات العربية، فالواضح أنه أثر فيهم، وفى كل من حوله، ثقافيًا.. وإنسانيًا

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات