مملكة النمل - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مملكة النمل

نشر فى : السبت 8 ديسمبر 2012 - 8:55 ص | آخر تحديث : السبت 8 ديسمبر 2012 - 8:55 ص

عقب عرض مسلسل «نابليون والمحروسة»، راهنا على مخرجه الموهوب، المتمكن، شوقى الماجرى، وانتظرنا، بثقة وأمل، عمله السينمائى الأول، الذى سبقته حملة دعاية واسعة، مكثفة..

 

 

لكن الماجرى خذلنا، وجعلنا نخسر الرهان، إلا قليلا.. «مملكة النمل»، يعتمد على فكرتين لامعتين، ثريتين، من الناحية النظرية..الفلسطينيون، على أرضهم المحتلة، يعيشون حياة قاسية، يتهددها الاعتقال والإزاحة والموت، ومع هذا فإنهم تماما، فى صمودهم وعزيمتهم، مثل النمل، أشد الكائنات الحية قدرة على المقاومة والتمسك بالبقاء، مهما كانت الظروف قاسية، فالنملة يمكنها أن تبقى ثلاثة أيام تحت الماء، وثمانية أيام من دون هواء، وعاما كاملا بلا طعام، وعدة ساعات بدون رأس، وتتحمل الحرارة التى تصل إلى المائة درجة، والتى تنخفض تحت الصفر. المملكة، تجيد الدفاع عن نفسها، سواء بطريقة جماعية أو فردية، فثمة النملة الفدائية، التى تفجر نفسها لتطلق من جوفها سما يودى بحياة خصمها.. أضف إلى ذلك قدرة المملكة على التكاثر، مما يجعلها باقية على قيد الحياة.

 

أما الفكرة الثانية، فإنها مأخوذة، وليس مسروقة، من الفيلم البارع «سيبرياد» الذى حققه الروسى الكبير، أندريه ميخالكوف 1979، والمتعلقة بشخصية «الجد» الأسطورية، العجوز، بإدراكه العميق، الشامل، لمجريات الأمور، ويشيع، برسوخه، وآفاق رؤيته الواسعة، جوا شاعريا يحلق فوق الواقع. يعيش طويلا فى «سيبرياد»، جيلا بعد جيل، ولا يموت فى «مملكة «الرمل».

 

الأفكار النظرية، أو الأهداف شىء، والعمل الفنى شىء آخر، والمعايير النقدية تهتم بتقييم كيفية تحويل وتجسيد تلك الأفكار والأهداف إلى مواقف وأحداث وشخصيات وعلاقات وحوارات وانفعالات، ومدة قوة إقناعها وتأثيرها فى المتلقى.. وهنا، فى «مملكة النمل»، مع المشاهد الأولى، تقتحم قوة إسرائيلية بيت «جليلة»، بأداء صبا مبارك، التى تسكن مع جدتها، وبينما ينجح خطيبها «طارق» المقاوم، بأداء منذر ريحان، فى الهرب من باب خلفى، تواجه الشابة الموقف بشجاعة، وتشتم الضابط، المغتاظ، يقوم بدوره عابد فهد، الذى يجز على أسنانه.. وهذا الفاصل من الشتائم، المرضية شعبويا، تتوالى طوال الفيلم، بينما تطالعنا طائرة مروحية للعدو، بين الحين والحين، وهى تقصف البيوت والمدارس والشوارع.

 

داخل مغارة، تحت الأرض، يعيش فيها الجد «أبوالنمل»، بأداء جميل عواد، الذى يجسد الذاكرة الفلسطينية ويحكى، فى مشهد مقبض، وهو يحمل جمجمة، عن صاحبها الشهيد، وكيف قطع الأعداء أصابعه.. ويشير استكمالا لكآبة الحالة، إلى بقايا هياكل عظمية، كانت لفلسطينيين.. ومثل هذه المشاهد القاتمة، تنتشر فى الفيلم، بلا ضرورة، وعلى نحو تشوبه الفجاجة، كمشهد الحصان المقتول، الممدد أمام الكاميرا، بالدم المتخثر حول عنقه.. وها هى «جليلة» تضع الحناء على رأسه.

 

تتزوج «جليلة» من «طارق»، فى المغارة، وبينما اختفى الزوج، تضع «جليلة» وليدها، داخل زنزانة سجن، وتجأر بالصراخ، حيث يأتى ضابط السجن، هو نفسه، عابد فهد، وكأنه الضابط الوحيد فى الجيش الإسرائيلى، بذات الأبعاد النمطية المسطحة لضباط العدو: الصلف والكراهية والتأنق فى النظرات واللفتات.. ولا يفوت «جليلة» أن تطلق وابلا من الشتائم للضابط الأوحد.

 

صحيح، فى «مملكة النمل» لحظات إبداعية ذات شأن، منها، فى البداية، كتابة عنوان الفيلم وصناعة على الجدار العازل، وحيوية الحركة إبان غارة تخلف قتلى وجرحى تلاميذ مدرسة، وأمهات ملأهن الغضب والجزع على فلذات أكبادهم، وزغرودة «جليلة» عقب انتهاء غارة على موكب عرس، لم يصب فيه أحد.. ووسط الصمت تنطلق الزغرودة وكأنها إعلان تشبث بالحياة والفرح، رغم إصرار العدو على نشر الموت والحزن.. لكن هذه الشذرات الجمالية المتناثرة، لا تنقذ الفيلم المترهل من مغبة التكرار، والدوران حول النفس، فهنا،، لا يتدفق العمل للأمام، ويكاد يكون محلك سر، مع أداء بطابع خطابى، وجنوح نحو ميلودرامية زاعقة، لعل أكثرها فجاجة تلك الأغنية الخائية التى يرددها كل أبطال الفيلم، فى مشهد المفترض أن يكون مبهجا، مبشرا بالأمل، ذلك أن كلماتها البائسة تقول «صبرنا صبر الخشب تحت المناشير».. لقد خذلنا شوقى الماجرى.

 

 

 

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات