عبده موتة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 7:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عبده موتة

نشر فى : الخميس 8 نوفمبر 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الخميس 8 نوفمبر 2012 - 8:35 ص

اللهم لا حسد.. شباك التذاكر ماشى عال العال، ونصيب المجتهد، السبكى، أو السبكية، يأتيه فورا، سواء بالتقدير الملائم، نقديا، لأفلام مثل «كباريه»، «الفرح»، «ساعة ونص». أو الرواج لأعمال متواضعة، ذات ضجيج صاخب، قد تغضب البعض، لكن بالتأكيد، ترضى المزاج الغليظ من جمهور قلق، ضاقت به سبل الحياة، ورأى، فى جانب مما يعيشه، أن العنف سيد الأخلاق. ولكن، فى ذات الوقت، يدرك أن العنف من المحتمل أن يمارس ضده، وبالتالى يرضيه مشاهدة عقاب حاملى المطاوى والسنج.

 

خلال أيام العيد، لم أستطع قطع تذكرة، بسبب زحام الفتيان والغلمان، أمام الشباك. ليس فى طابور طويل، ولكن فى فوضى عارمة. بعضهم، حمل زميلا لهم، رفعوه من صدره وقدميه، فبدا مثل السهم، يتجه من الخلف للأمام. محنيا رأسه، طالبا من الموظف المختص عددا من التذاكر.. أخيرا، حين تمكنت من الدخول، عقب العيد، وجدت ذات الجمهور، يتجاوب تماما مع ما تعرضه الشاشة من مطاردات الشرطة للشقى عبده موتة، الذى يلقى استحسانا عندما ينجح فى مراوغة العساكر والضباط، منطلقا بموتوسيكل، متجها به من يمين الشارع ليساره، بينما تقع قوة الأمن، بعربتها الجيب السوداء، فى حيص بيص، مما يمكن «موتة» من النجاة.. دراسة هذا الجمهور، المفتون، أو، على الأقل المرحب، بمواقف حرق الإنسان حيا، أو ذبحه، أمر يستحق أن تلتفت له كليات الإعلام وأقسام علم النفس والاجتماع فى جامعاتنا، فالنتائج، ستكون أكثر أهمية من الفيلم بالنقود التى حصدها.

 

«عبده موتة» ليس من العشوائيات وحسب، بل هو نفسه فيلم عشوائى، وأحسب أنه لو أوتيت القوة لأحد أن يأمر بإعادة عناصره ومشاهده إلى أصولها، لتطاير الفيلم نتفا لترقد إلى أفلام سابقة، فالبطل هنا، برغم مزاعم محمد رمضان، الذى يكاد يحلف أنه لا علاقة له بالألمانى، تجد تطابقا فى ملامحهما، شكلا وموضوعا، فهنا، كما كان هناك، يطالعنا ببنية قوية، ووجه اكتسى بعلامات الشر، جاهل، يميل للرقص والغناء، يجيد استخدام السنجة، يعيش هائما فى عالم الجريمة، وبينما حاول كاتب ومخرج «الألمانى»، علاء الشريف، تلمس سبب انحراف الألمانى، لم يكترث صناع «عبده موتة» لهذا الأمر، واعتمدوا على أن محمد رمضان، أصبح، على الشاشة، نمطا شريرا جاهزا.

 

على طريقة عشرات الأفلام المصرية القديمة، يندلع الصراع بين المعلم الكبير ــ مختار العو ــ بأداء متورم من سيد رجب، وصبيه الخائن «عبده موتة»، ويكاد سيد رجب، بمغالاته التعبيرية أن يقول لنا «انظروا كم أنا مجرم وقتال ووحشى».. والحق أن مستوى التمثيل هنا، يصل إلى حد كبير من التدنى، فالكلام يخرج من الأفواه ليسقط أرضا، وعندما يرتفع صوت تضيع حروف الكلمات وتتداخل الجمل، فما بالك والكل يتجه برعونة، نحو الجعير، من دون ضابط أو رابط من المخرج إسماعيل فاروق.

 

التزاما بما جرت عليه العادة، فى السينما المصرية، بشأن ضرورة احتواء وكر العصابة على إطارات عجلات السيارات، وأكوام القش، وبراميل كرتونية فارغة، وسلالم خشبية مهترئة، يطالعنا المعلم «العو» فى صدر المكان، يدخن الشيشة وسط رجاله، قبل أن يأتيه «عبده»، مع أصدقائه، لتندلع الخناقة المتكررة، حيث يقذف أحدهم بآخر، نحو البراميل المتراصة فوق بعضها، لتنهار، وتخلف جروحا فى رأس المقذوف.

 

الموسيقى فى «موتة» لا هى تصويرية ولا مصاحبة، ولكنها تضخيمية، تثقل على الشاشة، من البداية للنهاية، طوفان يغرق الفيلم بمارشات المطاردة، ومع كل لكمة أو شلوت تسمع قرعة طبلة، وفى مواقف الحزن تتحول الموسيقى إلى ما يشبه النواح.. وتصبح الإيقاعات، بخشونتها أقرب للضوضاء، فى فقرات الرقص، وما أكثرها، وهذا لا يعنى أن الفيلم به لمحة استعراضية، فالرقصات هنا مجرد «حنجلة» عشوائية، بمصاحبة مطرب متغير، بوجوه تخاصم الكاميرا.

 

كاتب السيناريو، محمد سمير مبروك، لم يستوعب الدرس القائل بأنه إذا ظهر مسدس فى أول الفيلم فلابد أن يستخدم، على نحو ما، فى آخره.. وهنا، يقوم «عبده موتة» باقتناء «ثعبان»!.. يمسكه أحيانا، يضعه على صدره، ثم يعيده إلى صندوقه الزجاجى. ما هى ضرورة هذا الثعبان الضخم، الأليف؟. لا إجابة.

 

مرجعية الفيلم، جوهريا، لن تخرج عن شذرات من السينما المصرية القديمة، بالإضافة لـ«إبراهيم الأبيض» الأشبه بجبلاية القرود، بنماذجه البشرية، ذات الطابع الحيوانى، وبطله الذى ينتقل بذراعيه، من سيخ حديد فى السقف إلى سيخ آخر، ويجرى، ويتقافز.. كذلك الحال فى «عبده موتة»، ببطله، سريع العدو، متسلق الجدران، المتشاجر دائما مع آخرين، من ذوى السحن الغريبة، حتى إن المرء يشعر أنه إزاء.. خرابة نسانيس.

 

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات