ولاد رزق.. فيلم أسود - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 7:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ولاد رزق.. فيلم أسود

نشر فى : السبت 8 أغسطس 2015 - 9:55 ص | آخر تحديث : السبت 8 أغسطس 2015 - 9:55 ص

على غير العادة: الإتقان، هو ما يميز هذا الفيلم. يمنحه قيمة رفيعة جديرة بالاحترام.

مخرجه، طارق العريان، يعرف تماما أسرار صناعته، يتمتع بطاقة إبداعية تتجلى فى تفاصيل عمله، ابتداء من تجسيد الأجواء المتباينة، إلى التوقيتات النموذجية لظهور هذه الشخصية أو تلك، فضلا عن لعبة الإخفاء والاستدراج، حتى لحظة التنوير فى النهاية التى قد لا تخطر على بال.

ينتمى «ولاد رزق» إلى ما يسمى «الأفلام السوداء». تدور، غالبا، حول الجريمة، العصابات، المطاردات، الصراعات الدامية، تصفية الحسابات عن طريق الدم.. تختار، عادة، الليل زمنا للأحداث، أماكنها المفضلة تكمن فى أحراش المدن، الملاهى الليلية، كازينوهات القمار، البيوت المشبوهة، حجرات التحقيق، الطرق السريعة.

أبطالها، على الأرجح، يجنحون للشر، يتسمون بتلاشى حسهم الأخلاقى، أقوياء البدن، ذوو إرادة من حديد، لا يتسرب الخوف لقلوبهم.

«الفيلم نوار»، أو «الفيلم الأسود»، يتطلب كاميرا يقظة، نشيطة، تلاحق، بأنفاس لاهثة، ما يتدفق أمامها من أفعال.

فى هذه النوعية من الأفلام، وذات الإيقاع السريع، لا مجال للتزيد فى طول اللقطات، إلا عند الضرورة القصوى.

المعالم، سابقة الذكر، تتوافر بإحكام فى «ولاد رزق» الذى يبدأ قبل ظهور العناوين، بمشهد لقطاع من مدينة القاهرة، تطل عليها كاميرا ترصد أسطح كئيبة لبيوت أسمنتية قليلة لا طوابق.. بعد العناوين، تهبط الكاميرا لتتابع اقتحام قوة من الشرطة لمسكن ولاد رزق، يقودها الضابط البدين، الصارم، رءوف حمزاوى ـ محمد ممدوح ـ المغتاظ، لأن المطلوبين تمكنوا من الفرار.. يقبض على أحد ساكنى الحارة، مقدم البلاغ ضد ولاد رزق، عاطف على سرحان، بأداء متميز لأحمد الفيشاوى.

فى حجرة الضابط، يجرى استجواب المقبوض عليه، مرة بالود والرحمة، وأخرى بالطلتيش والوعيد. عاطف «أحمد الفيشاوى»، حليق الرأس، الأقرب للمدمن، يروى حكاية «ولاد رزق»، تتوالى مشاهد «الفلاش باكات»، العودة للماضى، لنرى، وقائع حياة ولاد رزق.

أربعة أشقاء، جبلوا على الشر، تربطهم علاقة إخوة متينة، تتباين طباعهم. الكبير، العقل المدبر، المسموع الكلام، رضا رزق ـ أحمد عز ـ والثانى، ربيع رزق، بأداء عمرو يوسف، المنافس، بدرجة ما، للكبير، الممتثل فى النهاية لأوامره.. الثالث، رجب رزق، يمثله أحمد داوود، المنساق لآراء الأخ الأكبر.. ثم رمضان رزق، يجسده كريم قاسم، ضعيف البنى، موضع رعاية الجميع.. أما «عاطف»، أحمد الفيشاوى، جارهم، موضع سرهم، فإنه مجرد تابع لهم، منبهر بقدراتهم.. شقيقته رباب «ندا موسى» ترتبط بعلاقة حب مع ربيع رزق.

تتوالى عمليات السرقة، والسطو، وتتصاعد.. وبناء على رغبة الكبير، يتفقون على التوبة، إثر عملية ضخمة، يتم فيها الاستيلاء على أموال أحد البنوك، بعد اقتحامه.

يقدم الفيلم طرفا من الحياة الماجنة التى يعيشها الإخوة خمر ونساء ومخدرات.. لكن وسط ذلك الجو الموبوء، ثمة منطقة مضيئة، تتمثل فى شقيقة عاطف، رباب، التى ترنو إلى حياة هادئة، نظيفة مع ربيع.. كذلك الحال بالنسبة لحنان ـ نسرين أمين ـ التى تتمنى أن تعيش مطمئنة، مع رضا.. إن الفيلم، وهذه إحدى إيجابياته، يقدم صورة منصفة للمرأة، بميلها الطبيعى للأمن والاستقرار.

كاتب السيناريو الماهر، صلاح الجهينى، المهندس أصلا، يرسم عمله باتقان لافت، يعرف تماما متى وكيف يقدم ما يدفع الأحداث للأمام، فبعد استعراضات طويلة، للملهى الليلى، بألوانه وصخبه ونسائه، يظهر «صقر»، تاجر المخدرات المرموق فى العالم السفلى، بأداء بارع من «سيد رجب»، المتأنق ملبسا، الذى يستوحى طبيعة الصقر: هادئ، عيونه لا تغفل عن ضحيته، ينقض عليها فى لحظة واحدة، لا سبيل لها نحو الفرار.

صقر، يدخل فى بنية الفيلم قبل أن يقع «ولاد رزق» فى دائرة الرتابة.. يغرى «ربيع» باللعب معه تسلم بضاعة من مورد لتسليمها له فى المخزن.. أثناء انطلاق عربة «ربيع» النقل بالمخدرات، يرى كمينا على الطريق، يلف ليهرب، تتعقبه الشرطة. يقفز إلى قطار ويترك العربة بحمولتها.

«صقر»، الغاضب بلا ضجيج، يطلب ثمن البضاعة، مليونى جنيه.. يحتجز الشقيق الأصغر، يهدد بقتله، عن طريق تقطيعه قطعة مقطعة.. فى مشهد لاحق، يرسل للأسقاء علبة سجائر، بداخلها أحد أصابع الرهينة.

يصبح لزاما على العقل الكبير أن يتدخل. «صقر» يخطره أن البضاعة استولى عليها ضابط الشرطة، وإنها داخل حقيبة السيارة، فى فناء القسم.

أنواع التوتر، فى الفيلم، متنوعة، فإلى جانب توتر المطاردات، الصراعات الجسمانية، ثمة ما يمكن أن تطلق عليه التوتر العقلى.. يتجسد فى اللقاء بين الأخ الكبير، وضابط الشرطة، سارق المخدرات «رءوف حمزاوى»، الذى يبدو للحظة فى حيرة من أمره.. يكاد يقبض على الشقى «رضا رزق»، المنخفض الصوت، الذى ينبهه إلى كارثة الفضيحة.. يعبر الموهوب، محمد ممدوح، فى صمته عما يدور فى رأسه من أفكار متناقضة، خاصة حين يدرك أن اللعبة انتهت.

حين يراجع المتابع، أحداث الفيلم، يكتشف عشرات التفاصيل التى لم يوردها إلا كضرورة، تفسر رؤية العمل المنسوجة باتقان، بما فى ذلك تلك اللقطات المصاحبة للنهاية، مع ظهور الأسماء، ومن بينها، عناوين الجرائد التى تتحدث، فى صفحة الحوادث، عن القبض على أكبر تاجر مخدرات، وعزل ضابط شرطة، وقرار عودة ولاد رزق لعالم الجريمة، بعد قسمهم على التوبة.. إنه فيلم قوى، مثير للتفكير، يدفعك إلى التلفت حولك.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات