حلاوة روح - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلاوة روح

نشر فى : الثلاثاء 8 أبريل 2014 - 7:45 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 أبريل 2014 - 7:45 ص

كان من الممكن تفادى الاتهام القاسى بالسرقة الذى وصف به صناع الفيلم، لو أنهم ــ منذ البداية ــ أعلنوا أن عملهم مقتبس من، أو مأخوذ عن، أو أى تعبير آخر يشير إلى المصدر الأصلى، وهو أمر لا يضير «حلاوة روح»، فالكثير من أفلامنا الجيدة، جرى التعامل معها باحترام، يقر مبدعوها بأنها مستوحاة من أعمال روائية ومسرحية وسينمائية. لكن أن يتم تجاهل الأصل، على الأفيش، وفى البيانات على الشاشة، فهذه هى المشكلة، خاصة أن الأصل من الجواهر التى لا تنسى: «مالينا» بطولة مونيكا بيولتشى، ومن إخراج القدير، صاحب «سينما باراديو»، الإيطالى، جوزينى تورناتورى.

«الينا»، امرأة فاتنة، مبتلاة بجمالها، تلهب خيال الرجال، تثير كراهية النساء. نموذج يتوفر فى الحياة، غالبا ينتهى بمأساة. الفيلم الإيطالى الذى يروى من وجهة نظر فتى مراهق فى الثالثة عشرة من عمره، يدور فى أحد بارات جزيرة صقلية. يستغرق سنوات الحرب العالمية الثانية، يهتم بالزمان والمكان، فضلا على نقده اللاذع، الناعم، لأخلاقيات الرياء، وجنون التفوق، وغطرسة القوة، عند شعب يدفع فاتورة غالية لمسالبه.

كاتب السيناريو المصرى، على الجندى، فى أول أعماله، اكتفى بحكاية المرأة المثيرة «روح» المتفجرة بالحيوية والعنفوان، التى تغدو حلما جنسيا عند الجميع، بأداء هيفاء وهبى، الملائمة تماما للشخصية، وكما يحدث فى «مالينا»، يتلصص عليها فتى مراهق، يعشقها، يتابعها، لا يستطيع الادفاع عنها إزاء الكارهات لها.. لكن مشكلة السيناريو أنه، بلا زمان، ولا مكان، وبالتالى، بدا معلقا فى الفراغ. رؤيته ضئيلة، مسطحة، يعلوها ضباب.. الحارة هنا، بنماذجها البشرية، تبدو كما لو أنها «درب طياب»، إحدى المناطق المعروفة بالانحرافات، إبان الثلاثينيات فى القاهرة.. لا نرى من النساء سوى بعض العاهرات، يقوم بتشغيلهن «برمجى» عتيد، قواد، دنئ، يؤدى دوره، باسم سمرة، المعتمد، هذه المرة، على كليشيهات من دون خصوصية، يتفق مع هذه وتلك، من ساكنات الحارة، على قضاء ليلة حمراء عند هذا وذاك، وأحيانا، يكاد يتفرع لخدمة تاجر المخدرات، الوحشى الطباع، المستثار، الغاضب دائما، بأداء تقليدى من محمد لطفى.. انه يريد «روح»، المؤدبة، بأى ثمن وأى طريقة.. يعده القواد بتلبية طلبه، المرة تلو المرة، بلا فائدة.. ثمة عازف «الترمبيت» الضرير، المتشمم لرائحة «روح»، بخيشومة كلب عجوز، المتحايل على الاقتراب منها، بكل الطرق. كان من الممكن الاستفادة، إنسانيا، من هذه الشخصية التى جسدها، على نحو كروكى، صلاح عبدالله، أو على الأقل، استخدام آلته النحاسية فى مصاحبة مشاهده.

فى حارة «حلاوة روح»، لن ترى مدرسا أو موظفا أو عاملا.. فقط رجال إمعات، يأتمرون بأوامر تاجر المخدرات، القوى البنية، الأقرب للفتوات.. إنه شأنه شأن البرمجى، من مخلفات «درب طياب».. كذلك الحال بالنسبة للنساء. لا وجود لسيدة محترمة، أو عادية، تلميذة فى مدرسة أو طالبة جامعية، بل تخلو من الأمهات، اللهم إلا والدة الصبى المراهق، هى زوجة القواد، تحمل وليدا على ذراعها، وتتقبل إهانات زوجها الوغد، من دون مقاومة أو احتجاج.. بالإضافة لوالدة زوج «روح»، الغائب للعمل فى الخليج، إنعام الجريتلى، التى تتهم زوجة ابنها، بتعمد إظهار فتنتها.. الأم، تموت سريعا، إثر نوبة قلبية، لتفتح الباب للوحوش.

سامح عبدالعزيز، المجتهد فى «الفرح»، يحاول إضفاء قدر ما من الحيوية على فيلمه، سواء بحركة الكاميرا أو بحركة الممثلين داخل الكادرات، لكنه يبدو، جوهريا، معوقا، بمشاهد، ومقاطع، بلا ضرورة، مثل تلك الأغنية الطويلة، الكاملة، المحلة، التى تنطلق بها عقيرة حكيم، ومواقف الراقصة المعتزلة، الطيبة القلب، نجوى فؤاد.

«روح»، تتعرض للاغتصاب، فى مشهد طويل، حيث تأجر بالصراخ، ويقوم القواد بالمساعدة فيما يحدث، تمزيق ثياب، وظهور قطع من اللحم، ممزوج بالدم.. ثم تتعرض «روح» لعلقة موت، من النساء، وتغادر «درب طياب» جريحة، مفككة الأوصال.. إنه فيلم بلا حلاوة.. وبلا روح.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات