التجريب.. فى الخليج - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التجريب.. فى الخليج

نشر فى : الجمعة 9 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 9 مارس 2012 - 8:00 ص

أفهم أن يتمرد المبدع على مواصفات الفن السائد، خاصة حين يكون الإنتاج الفنى يسير وفق مواصفات متشابهة، جامدة، مكررة.. وليس بالضرورة أن يفرز «التمرد» فنا جديدا، لكن حسبه فتح نوافذ تأتى بأنفاس منعشة، تبدد شيئا من ركود السائد والمألوف. هكذا كان الحال فى السينما المصرية، عندما حقق محمد شبل «أنياب» 1981، معتمدا على حكاية «دراكيولا»، محطما أساليب السرد المعهودة، مستعينا بالرسوم الكاريكاتورية، مازجا بين الواقع والكابوس، متعمدا الكتابة المباشرة على الشاشة. وبينما رحب النقاد بالفيلم، واعتبروه عملا تجريبيا مهما، لم ينجح الفيلم الغرائبى جماهيريا. لكن الأهم أنه أطلق خيال العديد من المخرجين، فقدم رأفت الميهى «سمك لبن تمر هندى»، وجاء داود عبدالسيد بـ«البحث عن سيد مرزوق»، وحتى صلاح أبوسيف، سيد الواقعية، انطلق بعيدا فى فانتازيا «البداية».

 

التجريب، مطلب ملح فى السينما المصرية، يتواءم تماما مع أوضاعها، لكن يبدو غريبا، وربما ممجوحا، حين يأتى من سينما وليدة، تتلمس طريق البدايات، كما فى بعض الأفلام الروائية القصيرة، التى قدمها عدد من المشاركين فى مسابقة «مجلس التعاون لدول الخليج». فعلى سبيل المثال، من الصعب تخمين المقصود من فيلم «وينك» ٩ق، للسعودى عبدالعزيز النجيم. صحيح مكتوب فى تلخيصه بكتالوج المهرجان «شاب يبحث عن صديقه الذى اعتزل الناس والحياة». وعبثا تحاول معرفة معنى أو ابعاد هذه الجملة، فمشاهد الفيلم المفككة تتراكم متنقلة بين شاب يطلب آخر، تليفونيا، بينما الآخر لا يرد، وينغمس فى متابعة ما يعرضه التلفاز، ثمة صور فوتوغرافية ثابتة، للصديقين، ولا يفوته أن تتوالى اللقطات بمونتاج حاد، مزعج.. وفى تجربة تجريبية سقيمة، فى «أم الصبيان» ١٠ق للقطرى وفاء صفاء ــ لا أعرف هل الاسم لذكر أم أنثى ــ يصفه الكتالوج كالتالى «فيلم تشويق تجرى أحداثه فى السبعينيات حول فتى ممسوس منذ ولادته بجنية مؤذية تسبب له كثيرا من الأذى والإزعاج». ولك أن تتخيل عملا سينمائيا يلتزم بخزعبلات من هذا القبيل. «أم الصبيان» ينغمس فى نوبات عصبية وصرخات.. إن غير المفهوم، وغير المنطقى، أن تتجه سينما وليدة إلى التجريب الذى يأتى، عادة، كتمرد على السائد والمألوف، بينما لا يوجد سائد ولا مألوف.

 

فى المقابل، تأتى أعمال جديرة بالاهتمام، تبعث الأمل، قدرتها لجنة التحكيم، بنزاهة، فمنحت ــ على سبيل المثال ــ جائزتها الكبرى، لفيلم «سبيل» 20ق للإماراتى خالد المحمود، الذى يتابع، بشفافية روحية، رحلة أخوين فى الحياة. لا يحكى قصة طويلة ولكن يقدم، عدة مشاهد مكثفة، بلا زيادة أو نقصان، تعبر عن ماضيهما، وتشير، على نحو ما، إلى مستقبلهما. فى البداية، يطالعانا، يزرعان خضراوات، بعناء، فى بقعة أرض قاسية. ثم، بحنو، فى حجرة متواضعة، يسقيان الدواء لجدتهما.. على جانب الطريق، يبيعان الخضراوات التى تذبل سريعا، تحت أشعة الشمس الملتهبة. وتتوالى لقطات المشهد من زوايا مختلفة، مما يعنى مرور الأيام. وبعد تناول الجدة لآخر قطرات الدواء تسلم الروح.. الأخوان، فوق دراجة بخارية قديمة، يغادران، تودعهما الكاميرا إلى أن يصبحا نقطة تذوب فى عمق المجال. الفيلم، الخالى من الحوار، الذى يلمس القلب، يثير اسئلة ذات مغزى، تدور حول تلك النماذج المنسية فى بلد بالغ الثراء، وربما يتغنى بشابين يواجهان الحياة بقدر كبير من الصبر والعزيمة.. «سبيل» يرسى دعائم الطريق نحو سينما ناضجة، تقف على أرض راسخة، أكثر جدوى من تلك التجريبية التى تقفز وتكاد تضيع فى الفراغ.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات