أبلوموف - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أبلوموف

نشر فى : السبت 7 نوفمبر 2009 - 11:58 ص | آخر تحديث : السبت 7 نوفمبر 2009 - 11:58 ص

 تعرفت عليه منذ أكثر من ربع قرن، وبرغم أننى لم ألتق به مرة أخرى، إلا أن حضوره ظل باقيا، فى عقلى وقلبى، يتراءى لى فى نماذج ممن أعرفهم، بل أدركت أن جانبا منى يتماثل مع شخصيته، وحين اكتشف أننى أصبحت أشبهه، أحاول معالجة الأمر بإجبار نفسى على التصرف بطريقة مغايرة لما درج عليه.. أبلوموف، ليس شريرا ولا يؤذى إلا نفسه. إنه رجل طيب، ولكنه منعدم الحماسة، خامل تماما، متلاشى الهمة، يكاد ينام طوال اليوم، بليله ونهاره، وإذا استيقظ لا يغادر الفراش، يزعم أنه يفكر وينظم أولويات ما سينجزه، وما أن يهم بالقيام حتى يغلبه الكسل. يفتعل مشاجرة مع خادمه العجوز، البطئ، متهما إياه بأنه لم يوقظه فى الوقت المناسب، أو أنه أضاع رسالة مهمة كان ينوى أن يبدأ يومه بالرد عليها، وأن ضياعها أفسد مزاجه وبالتالى ليس أمامه سوى مواصلة النوم.

«أبلوموف» الذى لا ينسى، هو بطل رواية كتبها الأديب الروسى إيفان غوتشاروف، عنوانها يحمل اسمه، ترجمت إلى معظم لغات العالم، ومنها العربية، وازدادت شعبيتها عندما حولها المخرج الكبير نيكيتا ميخالكوف إلى عمل سينمائى بديع، بعنوان «أيام قليلة من حياة أبلوموف» عام 1980. ويستغرق عرض الفيلم ساعتين ونصف الساعة، تمر وكأنها عدة دقائق.

«أبلوموف»، بالنسبة لمعظم من قرأ الرواية أو شاهد الفيلم، يغدو متجاوزا كونه مجرد شخصية على الورق أو على الشاشة، ليغدو أقرب للحالة، فيقال إن فلانا من النوعية «الأبلوموفية»، أو «لن أستطيع إنجاز هذا العمل لأن مزاجى «أبلوموفيا» هذه الأيام.. وفى أحد المهرجانات، ضقت ذرعا من موظف بليد كاد يوقعنى فى مأزق لأنه لم يؤكد حجز تذكرة العودة. تبخر غضبى حين ضحك صديقى، الناقد المرهف والإنسان الشفاف، فجر يعقوب، الذى كان فى ذات مأزقى وقال برحابة صدر «الرجل معذور، فهو أبلوموفى أولا وأخيرا»، ولاحقا، تلفننى فجر من سوريا كى يخطرنى أن «أبلوموف» سيعرض فى مهرجان دمشق السينمائى، ضمن برنامج خاص عن المخرج الكبير ميخالكوف.

طبعا، شاهدنا الفيلم بشغف، صديقى وأنا، ولفت نظرى هذه المرة، ما ينطوى عليه الفيلم من حنو على بطله الخائب، الذى عاش حياته مدللا، لم تسند عليه مسئولية، ولم ينغمس فى عمل جاد، وقضى سنوات طفولته وشبابه فى نعيم ثروة أسرته من ناحية، وحضن والدته التى ظلت تعامله كمجرد وليد من ناحية أخرى، لذا فإنه، بعد ضياع الثروة ووفاة الأم، غدا على ما أصبح عليه، وبالتالى فإنه ما إن ينام حتى يحلم بتلك الأيام التى ذابت مع الزمن، لم يبق منها إلا ذلك المنام الناعم الذى يمرح فيه مع والدته الرقيقة، فى حديقة جميلة، وها هو يناديها، يعلو صوته، يصحو من النوم، لكنه يفضل النوم من جديد.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات