الأسد.. يصبح فأرًا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأسد.. يصبح فأرًا

نشر فى : السبت 7 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 7 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

انتهى عصر المخبر التقليدى، ذلك الرجل الذى يرتدى البالطو الأصفر الكالح فوق الجلباب السادة. يجلس فى المقهى ممسكا بجريدة يتظاهر بقراءتها، يرشف من كوب الشاى على مهل. يتسمع لأقوال من حوله، متسقطا معلومة مفيدة. السينما المصرية سخرت كثيرا من هذا النموذج الذى تطور ــ شكلا ــ فأصبح يرتدى القميص والبنطال، وتخلى تماما عن الجيزانة الرفيعة التى كان يحملها أحيانا.. ولكن، ظلت شخصيته مكشوفة، حتى إن عمنا الكبير، صلاح جاهين، كتب فى إحدى تجلياته «وقد سمى المخبر مخبرا، لأن شكله يدل على مخبره».

الآن، ظهر مخبر جديد، لا يشك فى نواياه أو قدراته، فهو يشهد بالصدق، معتمدا على آذان لا تسجل إلا ما تسمعه، وعيون ترصد، بدقة، ما تراه.. انه «الموبايل»، الجهاز العبقرى الذى غدا متوفرا عند الجميع. سلاح الحقيقة، لا مجال فيه للتزوير أو التزييف، يبين تفاصيل الوقائع، مجسدة، بالصوت والصورة، لحظة بلحظة، وبالتالى، فيما يتعلق بالجريمة، هو دليل الإدانة، فإذا كان صحيحا ان يقال للمذنب «شاهدك هو قاتلك»، فإن مقاطع الموبايلات، فى الكثير من الأحيان، تروى، بدقة، ما حدث.. وغالبا، تقول، أكثر مما تتضمنه من صور ومسامع، نظرا لما تحويه من مفارقات وعبر تستحق التأمل، وربما، حكايات تستحق أن يستكملها قصاص نابه.

هذا الكلام بمناسبة عرض مقطعين لرجل واحد، ما أبعد الفارق بين مشكلة، هنا وهناك.. فوسط زحام ميدان رمسيس، فى أجواء هيستيريا، بالقرب من قسم شرطة الأزبكية، فى يوم مشئوم، ووسط خليط من الناس، يظهر رجل بدا طويلا، قويا، راسخا، ربما بسبب السلاح النارى الذى يحمله بين يديه، متآلف معه تماما، يرفعه لأعلى مطلقا رصاصة تلو الأخرى.. يسير بخيلاء عدة خطوات. حوله من يهتف له، وثمة من يلمس كتفه، كأنه يتلمس بركته، وبثقة، يواصل العملاق إطلاق الأعيرة. الصوت يزيده انتشاء فيسرع من حركته النشيطة.. انه يبدو ملكا، أو خارجا من سطور نجيب محفوظ وقد دانت له الحارة بالفتونة.

الأسد المغرور أثبت جهلا فاضحا، لم يخطر على باله أن يكون مرصودا، سيبلغ عنه المخبر المسمى «موبايل»، ولم يشاهد أى فيلم أجنبى يحذر فيه رئيس العصابة رجاله من اقتحام قسم الشرطة، أو إصابة ضابط أو عسكرى، فحينها، ستطاردك الشرطة، وتجرى وراءك، إلى أن  ترديك قتيلا.. كذلك لم يدرك الفحل، حامل السلاح، أن مصر، دولة محترفة، تعرف كيف تدافع عن نفسها، أمام العواصف العشوائية.

بعد عدة أيام، فى أقل من أسبوعين، ظهر تسجيل جديد للفارس المغوار، عقب القبض عليه، وقد تحول من النقيض للنقيض: رجل منكسر، غلبان، لا يرفع يده بالسلاح، ولكن يرفعها ليمسح بكفه دموعه من عيون مغرورقة. يبدى الندم ويعتذر، للجميع، بمن فيهم أبناؤه، وبالذات ابنته التى من المفروض، أو كان من المأمول، ان تزف لزوجها قريبا.. أصبح قصيرا، نحيلا، ضائعا، مستسلما. يتلمس الأعذار، والرحمة، بصوته المتهدج.. انه حكاية، ذات طابع تراجيدى حزين، لا تخلو من كوميديا، فعلى عهدة المذيع، اسم الأسد الذى تحول إلى فأر هو «صابر عيد أحمد حسن».. بينما الاسم الذى اشتهر به هو «صابر أبو الصراصير».

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات