عدم المساواة ليست حتمية - صحافة عالمية - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 8:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عدم المساواة ليست حتمية

نشر فى : الأحد 6 يوليه 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأحد 6 يوليه 2014 - 8:15 ص

نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا للكاتب جوزيف ستيجليتز يتناول فيه السياسة الاقتصادية المتبعة فى امريكا جاء فيه، خلال الثلث الأخير من القرن الماضى، بدأت البلاد التى شهدت النمو المشترك بعد الحرب العالمية الثانية تعانى التمزق، لدرجة أنه عندما وقع الكساد العظيم أواخر عام 2007، لم يعد من الممكن تجاهل الصدوع التى شابت المشهد الاقتصادى الأمريكى. ومن بين الأفكار التى طرحها للمناقشة كتاب توماس بيكتى المهم «رأس المال فى القرن الحادى والعشرين»، فكرة أن التطرف العنيف للثروة والدخل، سمة متأصلة للرأسمالية. وإذا قبلنا ذلك، ينبغى أن ننظر إلى العقود التى تلت الحرب العالمية الثانية ــ وهى فترة من الانخفاض السريع فى التفاوت ــ باعتبارها انحرافا. غير أن هذه فى الواقع قراءة سطحية لكتاب بيكتى، الذى يقدم السياق المؤسسى لفهم تفاقم عدم المساواة على مر الزمن. وللأسف، لقى هذا الجزء من تحليله اهتماما أقل إلى حد ما من الاهتمام بالجوانب التى تبدو أكثر قدرية.

•••

وأشار الكاتب إلى أنه خلال العام ونصف العام الماضيين، طرحت سلسلة حلقات «الانقسام الكبير» فى صحيفة نيويورك تايمز، مجموعة واسعة من الأمثلة التى تقوض فكرة أن هناك قوانين أساسية حقا للرأسمالية. وليس من الضرورى تطبيق ديناميات الرأسمالية الاستعمارية للقرن التاسع عشر على ديمقراطيات القرن الحادى والعشرين. ولا ينبغى أن يكون هذا التفاوت الكبير فى أمريكا. كما تعتبر الرأسمالية المصطنعة، نسختنا الحالية من الرأسمالية. ولإثبات ذلك، علينا أن نتذكر مواجهتنا للكساد العظيم، حيث تشاركنا فى الخسائر، حتى ونحن نخصخص المكاسب. ومن الناحية النظرية على الأقل، ينبغى أن تؤدى المنافسة الكاملة إلى انعدام الأرباح. ولكننا جعلنا تحقيق أرباح عالية من حق الأقلية دائما. ويحصل المديرون التنفيذيون على دخل يساوى فى المتوسط دخل العامل العادى ​​295 مرة، وهى نسبة أعلى بكثير مما كانت عليه فى الماضى، من دون أى دليل على وجود زيادة متناسبة فى الإنتاجية.

وطرح ستيجليتز تساؤلا: إذا لم تكن قوانين الاقتصاد التى لا ترحم هى التى سببت الانقسام الكبير فى أمريكا العظيمة، فما الذى أدى إلى ذلك؟ الجواب المباشر: سياساتنا! ولا شك أن الناس تمل من سماع قصص النجاح الإسكندنافية، ولكن حقيقة الأمر أن السويد وفنلندا والنرويج، نجحت جميعها فى تحقيق معدل نمو فى دخل الفرد مساو لنصيب الفرد من الدخل من الولايات المتحدة، أو يتخطاه، مع درجة أكبر بكثير من المساواة.

ويرى ستيجليتز أن أمريكا اختارت سياسات تعزز عدم المساواة؛ ولعل السبب يرجع جزئيا إلى تلاشى التضامن الذى ولد مع الحرب العالمية الثانية، بعدما تراجعت ذكريات هذه الحرب. ومع انتصار أمريكا فى الحرب الباردة، لم يكن يبدو أن هناك منافسا صالحا لنموذج امريكا الاقتصادى. والمعروف أن الأيديولوجيات والمصالح يرتبطان بصورة شديدة. وقد استخلص البعض الدرس الخطأ من انهيار النظام السوفييتى. وتراوح دور الحكومة بين الكثير جدا فى جانب والقليل جدا فى جانب آخر. وتتمثل مصالح الشركات فى التخلص من القواعد التنظيمية، حتى عندما تكون تلك القواعد التنظيمية قدمت الكثير لحماية وتحسين بيئتنا، وسلامتنا، وصحتنا، والاقتصاد نفسه. ولكن هذا فكر منافق. فقد كان المصرفيون، وهم من أقوى المدافعين عن الاقتصاد الحر، مستعدين أيضا لقبول مئات المليارات من الدولارات من الحكومة فى عمليات الإنقاذ التى صارت سمة متكررة للاقتصاد العالمى منذ بداية حقبة تاتشر ــ ريجان للأسواق الحرة وتخفيف القيود التنظيمية.

•••

وأضاف الكاتب؛ لا شك أن المال هو الذى يوجه النظام السياسى الأمريكي؛ فالتفاوت الاقتصادى يترجم إلى عدم المساواة السياسية، الذى يؤدى بدوره إلى زيادة عدم المساواة الاقتصادية. وفى الواقع، تعتمد حجة بيكتى كما يقر بذلك على قدرة أصحاب الثروة على الحفاظ على معدل العائد بعد خصم الضرائب، مرتفعا عن معدل النمو الاقتصادى. ومن ثم، تزداد أرباح الشركات ونحن نكبح الحياة الكريمة للفقراء. حيث يحافظ الكونجرس على دعم المزارعين الأغنياء، بينما يخفض دعم المواد الغذائية للمحتاجين. وحصلت شركات الأدوية على مساعدات بمئات المليارات من الدولارات، ويتم تخفيض التأمين الصحى. وحصلت البنوك التى جلبت الأزمة المالية العالمية على المليارات بينما ذهبت مبالغ زهيدة لأصحاب المنازل وضحايا ممارسات الإقراض المفترسة من قبل نفس البنوك. وعلى نحو خاص، وقد كانت هناك بدائل لوضع الأموال فى البنوك بأمل أن يتم استثمارها من خلال زيادة الإقراض. وكان من الممكن مساعدة أصحاب المنازل المعسرين، وضحايا الممارسات المصرفية المفترسة مباشرة. وهذا ليس من شأنه مساعدة الاقتصاد، فقط، لكنه قد يضعنا على طريق الانتعاش القوى.

•••

وتطرق الكاتب إلى التمييز الاقتصادى والجغرافى الذى أدى إلى تحصين الطبقات العليا من مشكلات الطبقات الدنيا. وبدأ الأغنياء مثلهم مثل الملوك فى الزمن الماضى يعتبرون امتيازات مناصبهم حقا طبيعيا، بالضرورة. إن الاختبار الحقيقى للاقتصاد ليس مقدار الثروة التى يمكن أن يراكمها الأغنياء من التيسيرات الضريبية، ولكن كيف يحيا المواطن العادى حياة كريمة ــ الأمر الذى ينبغى أن يكون موجودا بصفة أكبر فى الولايات المتحدة، حيث تجذرت صورتنا فى أننا مجتمع الطبقة الوسطى الكبيرة. غير أن الدخل المتوسط أقل مما كان عليه قبل ربع قرن. وقد ذهبت مكاسب النمو إلى الطبقة العليا، التى تضاعفت مكاسبها نحو أربع مرات منذ 1980. ونظرا لأن ما يقرب من ربع الأطفال الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات يعيشون فى فقر، ولضآلة ما تقدمه أمريكا لفقرائها، ينتقل الحرمان من جيل إلى آخر. وبطبيعة الحال، لا يوجد بلد قارب توفير المساواة الكاملة فى الفرص.

•••

ومن بين القصص المؤثرة فى الانقسام الكبير، تلك التى تصور إحباط الشباب، الذين يتوقون لدخول طبقتنا الوسطى المنكمشة. وقد أدى ارتفاع الأقساط وانخفاض الدخل إلى زيادة الأعباء الضخمة للديون. وقد انخفضت دخول الحاصلين على شهادة الدراسة بنسبة 13 فى المائة على مدى السنوات الـ 35 الماضية. وتتسع أيضا الفجوة عندما يتعلق الأمر بالعدالة. فقد أصبحت أمريكا فى نظر بقية العالم وجزء كبير من سكانها، تتميز بارتفاع عدد السجناء فيها. وصارت العدالة سلعة فى متناول القلة فحسب. حيث يلجأ المديرون التنفيذيون فى وول ستريت إلى محامين بأجور مرتفعة، لضمان التهرب من المسئولية عن أزمة عام 2008. ومن ثم، أساءت البنوك إلى نظامنا القانونى من أجل الحجز على الرهون العقارية وطرد الناس من منازلهم، ولم يكن بعضهم حتى مدين.

•••

وفى نهاية المقال يرى الكاتب أن أمريكا ليست بحاجة إلى حرب جديدة على الفقر، بل حرب لحماية الطبقة المتوسطة. وليس من الضرورى أن تكون حلول هذه المشكلات جدية. وبالعكس، ربما كان جعل الأسواق تعمل كما ينبغى أن تكون الأسواق، بداية جيدة. وعلينا وضع نهاية للمجتمع الريعى الذى انجررنا إليه، وفيه يحقق الأغنياء مكاسب عبر التحايل على النظام. ولا تمثل مشكلة عدم المساواة مسألة اقتصادية تقنية بدرجة كبيرة، بل إنها مشكلة سياسية عملية. ويعتبر ضمان أن يدفع من يحتلون أعلى السلم الاجتماعى نصيبهم العادل من الضرائب - بإنهاء الامتيازات الخاصة بالمضاربين والشركات والأغنياء - حلا واقعيا وعادلا على حد سواء. حيث لا يتعلق عدم المساواة بارتفاع المعدل الضريبى الهامشى ولكن أيضا بفرصة حصول أطفالنا على الغذاء، والحق فى العدالة للجميع. وإذا زاد إنفاقنا على التعليم والصحة والبنية التحتية، سوف نعزز اقتصادنا، فى الحاضر والمستقبل. «والآوان لم يفت بعد، لاستعادة مكانة امريكا فى العالم، وإعادة الإحساس بهويتنا كأمة. فلم يكن وراء توسيع وتعميق عدم المساواة، قوانين اقتصادية غير قابلة للتغيير، ولكن قوانين كتبناها بأنفسنا».

التعليقات