بريخت ومايكل مور : الشعوب تخطئ أحيانًا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 5:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بريخت ومايكل مور : الشعوب تخطئ أحيانًا

نشر فى : الأربعاء 4 نوفمبر 2009 - 10:02 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 نوفمبر 2009 - 10:02 ص

 فى فيلم تسجيلى طويل، عن الحرب العالمية الثانية، التقى المذيع كاتبة ألمانية كبيرة، مقاما وسنا، عاشت قبل وأثناء وبعد الحرب. سألها عن كيفية اقتناع الشعب الألمانى بالنازية، وهو الشعب المتعلم، المثقف، المتحضر. بعد لحظات أجابت: نحن لم نستيقظ ذات صباح وقد قررنا أن نكون نازيين، ولكن النازية تسربت إلى دمنا قطرة فقطرة. كانت الغواية فى البداية عن طريق شعارات ذات طابع برىء، من قبيل «أنا أحب ألمانيا» و«ألمانيا أولا وألمانيا أخيرا» و«ألمانيا فوق الجميع»، و«الجنس الآرى أفضل الأجناس». وحين جاءت انتخابات العام 1933، كان مرض النازية قد سيطر على الجماهير التى أوصلت الحزب النازى إلى الحكم، وتوالت الأحداث الدامية التى لم نفق منها إلا بعد فوات الأوان.

إذن، أخطأ الشعب الألمانى، ولكن بعض مفكريه، بشفافية ونفاذ بصيرة، توقعوا مسار الأمور، ومنهم، وربما فى مقدمتهم، الشاعر، الروائى، المؤلف المسرحى، برتولد بريخت، الذى طارده النازى من بلد لآخر، إلى أن انتهت النازية ودمرت ألمانيا. وبلا تشفٍ، علق بريخت على ما جرى بجملة واحدة، قصيرة ودقيقة، مكونة من خمس كلمات «النازية.. هى عقاب الشعب الألمانى».

بعد ما يزيد على النصف قرن، ظهر المخرج الأمريكى، مايكل مور، المحلل السياسى أصلا، المستوعب تماما لأسلوب، برتولد بريخت، التهكمى الممتع ليقدم الفيلم تلو الآخر، متخذا موقف النقد العنيف، الصائب، ضد النظام الأمريكى، الذى أفرز رؤساء من عينة بوش الكبير وبوش الصغير، وفى فيلمه الأخير «الرأسمالية: قصة حب»، بنزعته التنويرية، التعليمية، يستعين بالإحصاءات، والمشاهد الوثائقية، والكارتون، ولقطات من أفلام روائية، ولقاءات مع العاديين من الناس، ولا يتورع عن استفزاز ذوى الياقات البيضاء، كبار رجال المصارف وأعضاء الكونجرس، ويتحرش برجال الأمن، حراس المؤسسات الكبيرة، التى يرى أنها التهمت مدخرات الناس ووضعتها فى كرشها.

«الرأسمالية: قصة حب» يأتى عقب الأزمة الاقتصادية مباشرة، يظهر فيه مايكل مور بنفسه، ضخما بدينا، يضع نضارة نظر على عينيه، يبدو متعجلا، كأنه خارج من معركة توا، أو سيدخل معركة حالا، يسأل المسئولين «أين ذهبت نقودنا؟»، وتأتى الإجابات مجرد لغو فارغ، وترتسم على وجهه علامات عدم الاقتناع، وتلتمع فى عينيه نظرة إدانة صريحة، ولكن يجد أناسا من الذين وقع عليهم الغبن، مازالوا يؤمنون بالنظام الذى هلكهم. الفيلم، هجائية للرأسمالية الأمريكية، وتهكم على «قصة حب» خائب، تعيشها أمة مخطئة، تجاه نظام مقامر ولعوب.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات