جذور اختلاف الإخوان حول (الصلاح) و(الإصلاح) أو الدعوى والسياسى - ضياء رشوان - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 7:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جذور اختلاف الإخوان حول (الصلاح) و(الإصلاح) أو الدعوى والسياسى

نشر فى : الإثنين 4 أكتوبر 2010 - 11:56 ص | آخر تحديث : الإثنين 4 أكتوبر 2010 - 12:02 م

 يرتبط معنى «الإصلاح» كما تفهمه الحركات الإسلامية السياسية المعتدلة البعيدة عن فكر العنف وممارساته بمفهومين مرتبطين معا بصورة وثيقة فى الرؤية الإسلامية، وهما «الإصلاح» و«الصلاح». ومن اللافت أنه على الرغم من شيوع مصطلح الإصلاح فى خطاب هذه الحركات فى السنوات الأخيرة، فإنه لم يرد فى القرآن الكريم بالتعريف سوى مرة واحدة فى سورة هود فى الآية 88 «قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقا حَسَنا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»، بينما ورد غير معرف بالألف واللام (نكرة) ست مرات أخرى منها مرتان فى سورة البقرة ومرتان فى سورة النساء ومرتان فى سورة الأعراف. أما فعل صلح بصيغه وبأزمنته المختلفة فقد ورد 34 مرة فى القرآن، بينما وردت كلمة مصلحون بالجمع خمس مرات فى آيات مختلفة.

والملاحظ بدءا أن مصطلح إصلاح فى المرات السبع التى ورد فيها كان يعنى فى ثلاث منها الإصلاح العام فى المجتمع بمعان مختلفة دينية واقتصادية واجتماعية، بينما ورد مرتين فى سياق الإصلاح العائلى خاصة بين الزوجين وورد مرة واحدة بخصوص الإصلاح بين المتخاصمين ومرة أخرى بمعنى السلوك القويم للمؤمنين. أما كلمة مصلحون فقد وردت ثلاث مرات باعتبارها النقيض للمفسدين أو الفساد بمعانيه الدينية والأخلاقية ووردت مرة بمعنى الصلاح الدينى ووردت مرة كنقيض للتجبر فى الأرض فى رواية قتل النبى موسى لأحد المصريين. أما عن فعل صلح بصيغه وبأزمنته المختلفة فقد تنوعت معانيه فى سياق الآيات التى ورد فيها بين المعانى السابقة كلها.

ويشير تحليل المعنى اللغوى والاصطلاحى لكلمات الإصلاح و«المصلحون» وفعل صلح فى القرآن الكريم إلى أنها تنقسم إلى مفهومين رئيسيين هما الصلاح والإصلاح. ويوضح تحليل الآيات وتفسيرها أن المفهوم الأول، أو الصلاح، هو الأكثر شيوعا فى القرآن وهو ينصرف بصفة عامة إلى الفرد الذى يتسم بصفات الإيمان والتقوى والسلوك القويم أكثر من انصرافه إلى الجماعات أو المجتمعات والدول. أما المفهوم الثانى، أو الإصلاح، فهو ينصرف فى معظم الحالات إلى الكيانات البشرية الجماعية سواء كانت الجماعة أو المجتمع أو الدولة، وهو يعنى تمتعها بقواعد ثابتة للسلوك والتعامل بين أفرادها وفروعها المختلفة، قائم على قيم أخلاقية ودينية مستقرة تمثل الوجه المناقض للفساد الاجتماعى أو الدينى أو الاقتصادى أو غيره. وبالرغم من هذا التمييز الواضح بين مفهومى الصلاح الفردى والإصلاح الجماعى فى الآيات القرآنية وفى الفهم الإسلامى العام المترتب عليها، فإن روابط عضوية وثيقة تبدو واضحة بين هذين المفهومين، وهو الأمر الذى يفسر الربط الواضح بينهما لدى الحركات الإسلامية السياسية – الاجتماعية المعروفة بالمعتدلة عند طرحها لقضية الإصلاح.

أما عن مفهوم الإصلاح فإن معظم الدراسات الجادة تشير إلى أنه قد ظهر بداخل الفكر الإسلامى الحديث أولا مع الشيخ رفاعة الطهطاوى فى ثلاثينيات القرن التاسع عشر ثم تبلور فى صورة أخرى مع السيد جمال الدين الأفغانى وتلميذه الشيخ محمد عبده بدءا من الربع الأخير من نفس القرن. ومن الملاحظ على ظهور وتطور مفهوم الإصلاح خلال تلك الفترة الطويلة لدى الإسلاميين جميعا من مفكرين وحركات أنه ظل دوما يحتفظ بالمعنيين السابقة الإشارة إليهما، أى الصلاح الفردى والإصلاح الجماعى، بدرجات مختلفة من الأهمية لكل منهما مقارنة بالآخر حسب كل سياق تاريخى وموضوعى طرح فيه مفهوم الإصلاح. كذلك فمن الملاحظ أن هذا المفهوم المركب للإصلاح قد جاء دوما ليواجه أوضاعا مختلفة فى البلدان والمجتمعات الإسلامية. فقد طرح مرات عديدة باعتباره الطريق الأمثل للمسلمين لمواجهة الاستبداد السياسى الداخلى من حكامهم أو حكوماتهم، كما طرح مرات أخرى باعتباره الطريق الأفضل لتجاوز حالة التدهور العلمى والاقتصادى والعسكرى التى تمر بها الدول والمجتمعات المسلمة، وقد طرح فى مرات أخرى باعتباره الوسيلة الأفضل التى يمكن للمسلمين أن يلحقوا عبرها بالمجتمعات والدول المتقدمة وبخاصة الغربية، وذلك ضمن رؤية أوسع تعتقد فى وجود صراع أو صدام بين المسلمين والغرب ككيان حضارى وسياسى.

ومن الملاحظ أيضا أنه فى الغالبية الساحقة من المرات التى جرى فيها الحديث عن الإصلاح من مفكرين أو حركات إسلامية، لم يتضمن أى طرح لتغيير معناه على الصعيد الفردى، أو الصلاح، الذى ظل دوما يعنى تمسك الفرد بالأركان الرئيسية للإسلام وبتعاليمه فى سلوكه وحياته الخاصة والعامة. وعلى الجانب الآخر فمع تغير معانى ومضامين الإصلاح الجماعى، فقد ظل الإصلاح السياسى فى مواجهة «الاستبداد» هو الأكثر شيوعا بينها. كما يلاحظ من جانب ثانٍ أن معظم المفكرين والحركات الإسلامية قد ربطوا فى غالبية المرات بين الصلاح الفردى والإصلاح الاجتماعى الجماعى، حيث بدا أنهم يرون الأخير إنما هو نتيجة طبيعية للأول، وبالتالى فهو يتسم بنفس درجة الثبات التى تميزه، ومن هنا فلم يطرحوا جديدا يذكر فيما يخص الجوانب الاجتماعية والثقافية للإصلاح الجماعى كما فعلوا مع الصلاح الفردى الذى ظل أيضا كما ذكرنا بدون تغيير كبير. وفى نفس السياق يبدو واضحا تأثير الغرب وبخاصة الأوروبى فى عهد الاستعمار التقليدى على رؤية المفكرين الإسلاميين والحركات الإسلامية للفصل بين الإصلاح السياسى من جهة والاجتماعى والثقافى من جهة أخرى. فقد رأى معظمهم إمكانية الاستفادة من النماذج والرؤى الغربية فى مجال الإصلاح السياسى باعتبارها وسيلة فعالة لمواجهة حالة الاستبداد، بينما رفضوا الأخذ بالنماذج الغربية فى المجالات الاجتماعية والثقافية لسببين: أولا تقديرهم أن المجتمعات الإسلامية ليست بحاجة إليها فى ظل توافر نموذجها الثابت للصلاح الفردى المرتبط بالصلاح الجماعى والمستمد من تعاليم الإسلام. وثانيا، لرؤيتهم للنماذج الغربية الاجتماعية والثقافية باعتبارها تتناقض جذريا مع النموذج الإسلامى للصلاح الفردى والاجتماعى، وأن الأخذ بها سوف يؤدى إلى هدم تعاليم الإسلام بما يعنى فى النهاية هدم الإسلام نفسه.

وهنا يظهر الجذر الحقيقى لما يطلق عليه اليوم التناقض بين المفهوم المتقدم والحديث للإصلاح السياسى لدى كثير من الحركات الإسلامية المعتدلة ومنها الإخوان المسلمين وبين رؤيتهم المحافظة والتقليدية للإصلاح الاجتماعى والثقافى. وهنا أيضا يمكن تفسير وجود أجنحة مختلفة بداخل هذه الحركات وبخاصة الإخوان المسلمين تختلف حول درجة الإصلاح السياسى التى يجب الوصول إليها حسب المفهوم الإسلامى. فسيطرة مفهوم الصلاح الدينى الفردى والجماعى على رؤية بعض قيادات وأعضاء هذه الحركات، يدفعهم إلى التشدد تجاه كل ما يتضمنه الإصلاح السياسى ويعتقدون أنه يمس مضمون التقوى والطاعة وحسن الإيمان التى يجب أن يتضمنها الإصلاح الفردي. وبهذا المعنى، فهؤلاء يشكلون الأجنحة الأكبر داخل تلك الحركات المسماة بالدعوية والتى ترفض مساواة غير المسلمين أو المرأة مع الرجال المسلمين فى الحقوق السياسية، حيث ينظرون للأمر من زاوية ارتباطه بصلاحهم الفردى الذى يستمدون عناصره من التفسيرات الأكثر تشددا له. أما الأجنحة الأكثر اعتدالا فهى بالرغم من عدم فصلها بين الصلاح الفردى والجماعى والإصلاح السياسى، فهى لا تتبنى مثل التفسيرات المتشددة السابقة وتنظر لمضمونه بصورة أوسع انطلاقا من مقاصد الشريعة الإسلامية وليس من النقل الحرفى لأحكام انتهى إليها بعض الفقهاء فى أزمنة سابقة. ووفقا لفهم هذا الأجنحة الأخيرة، فإن مقاصد الشريعة الإسلامية يمكن أن تتسع لتشمل أكثر من الضروريات الخمس الكلية التقليدية، وهى ما لا يستغنى الناس عن وجودها بأى حال من الأحوال، وهى حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. ويضيف هؤلاء إلى تلك الضروريات التقليدية أخرى جديدة من ضمنها الحريات العامة والمساواة وحقوق الإنسان وغيرها من مفاهيم حديثة، باعتبارها مما لا يمكن للناس الاستغناء عنه. وترى تلك الأجنحة أن تحقيق الإصلاح السياسى وفقا لذلك الفهم الواسع للمقاصد يؤدى بالضرورة إلى الحفاظ عليها جميعا وفى مقدمتها الدين الإسلامى بما يعنى تحقيق الصلاح الفردى والجماعى بالمعانى المشار إليها سابقا، نتيجة لما يوفره الإصلاح السياسى من بيئة مناسبة لتحقيق هذا الصلاح بمستوييه.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات