أما بعد - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 7:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أما بعد

نشر فى : الأربعاء 4 أغسطس 2010 - 10:07 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 أغسطس 2010 - 10:07 ص

 ليلة الأربعين، بعد رحيل فاروق عبدالقادر، تواءمت تماما مع شخصيته، ابتعدت عن الحزن وهيمن عليها العقل، خلت من المراثى والصخب الإعلامى، واتسمت بالتحليل والتفسير واستخلاص المعانى. لم تكن تأبينا بقدر ما كانت احتفالية برجل نزيه من زماننا، عاش حياته كما يريد، بعيدا عن المناصب المرموقة، مستمتعا بفضيلة الاستغناء التى جعلته يعيش سعيدا بين الآلاف من صفحات الروايات والمسرحيات والتاريخ والسياسة فازدحمت أيامه بإبداعات نجيب محفوظ، فتحى غانم، عبدالرحمن منيف، ألفريد فرج، محمود دياب، طارق البشرى، تنسى وليامز، بيتر بروك، سعدالله ونوس، أحمد بهاء الدين.. وآخرين. هؤلاء، وغيرهم، كتب عنهم، بأسلوب جميل شفاف، تقييمات دقيقة، رفيعة الشأن، تنظر بعين إلى نتاجهم، وتنظر بالأخرى إلى الظروف المحيطة بهم، التى أدت بالضرورة لبلورة مواقفهم مما يجرى، سواء بالرفض أو القبول.

فى هذه الأمسية الحميمة التى نظمتها الروائية المصرية حتى أظافرها، سهام بيومى، تحدث فيها الدكتور عبدالمنعم تليمة، مبينا قيمته كناقد مسرحى، كما سرد الجيل التالى له، منى أنيس، بلال فضل، أسامة عرابى، أحمد بهاء الدين شعبان، عن دوره البناء فى حياتهم الثقافية، سواء بتقييمه لكتاباتهم، أو مدهم بالنصوص التى يحتاجونها، وجاءت شهادة الكاتب الليبى أحمد إبراهيم الفقيه، لتؤكد اتساع رؤية فاروق عبدالقادر لتشمل، بعمق، إبداعات أبناء الوطن العربى كله.

عن أيامه الأخيرة، حيث لازمه صديقه النبيل، حسين عبدالقادر، الفنان والأستاذ فى الجامعة، نتبين بوضوح، تلك الجوانب المشرقة عند من استجابوا، بلا تردد، لتلبية دعوته إلى الوقوف بجانب ناقدنا الكبير، خاصة بعد نفاد تكاليف العلاج التى لا ترحم.. هنا، لابد أن نذكر، بمحبة واحترام، مواقف على أبوشادى وعماد أبوغازى وأحمد مجـاهد، فكل منهم قدم أقصى ما يستطيع، أما جابر عصفور، فإنه، بحماس، لم يوافق على إعادة إصدار ترجمات فاروق لكتب بيتر بروك وحسب، بل أصدر «شيكا» بالمكافأة فورا.. ومن ناحيته، أرسل بيتر بروك بخطاب رقيق، يتنازل فيه عن حقوقه، متمنيا الشفاء للناقد، المترجم الثقة، فاروق عبدالقادر.. ولكى نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، نشير بأسى إلى ذلك الخطاب الصغير، حجما ومعنى، الذى يطلب فيه اتحاد الكتاب من إدارة مستشفى ناصر، توفير وسائل العلاج بالأسعار «المتفق عليها»، ولكن على نفقة فاروق عبدالقادر.. فياله من موقف.

دخل فاروق عبدالقادر فى غيبوبة، وبدأت قرح الفراش تغزو ظهره، فاستنجد بلال فضل بصديقه، المعلق الرياضى ابن البلد، إبراهيم حجازى، الذى ناشد بدوره المشير طنطاوى، كى يتدخل.. وفعلا وفورا، تم نقل فاروق إلى مستشفى المعادى العسكرى. واستكمالا للمفارقات التى كان فاروق يتوقف عندها متأملا، جاء يوم الرحيل.. امتدت، أمام الجامع أبسطة حمراء، ظنا من إدارة المستشفى أن مئات المودعين سيتوافدون للعزاء فى الرجل الموصى عليه، وبدت الدهشة واضحة على وجه المسئول عندما لم يجد سوى خمسة أو ستة أشخاص.. رحل فاروق، لكن إنتاجه الثمين، سيظل باقيا، نابضا بالحياة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات