حكم قراقوش - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 4:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكم قراقوش

نشر فى : السبت 4 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 4 مايو 2013 - 8:00 ص

عمره، ستون عاما، حققه فطين عبدالوهاب، وعرض عقب ثورة يوليو 1952 بسنة واحدة لكن «قراقوش»، عاش فى الذاكرة المصرية طوال ثمانية قرون، منذ كتب أسعد بن مماتى «الفاشوش فى حكم قراقوش». وبصرف النظر عن مدى تجنى ابن مماتى على «قراقوش»، معاون صلاح الدين الأيوبى الأثير، الذى أشاد به الكثير من المؤرخين، فإن ما كتبه ابن مماتى، يتجاوز شخصية «قراقوش» التاريخية، ليغدو فى الضمير الشعبى، نموذجا معروفا ومجربا ومتكررا، من الحاكم الظالم الطاغية، المفتقر للكفاءة، المغرور، الشره للسلطة والمال، وبالتالى أصبح مادة للتندر، ومجالا مفتوحا للسخرية التى يبدعها المصريون. «قراقوش» شق طريقه ليقف على خشبة المسرح قبل ظهوره على شاشة السينما. قدمه الرائد يعقوب صنوع فى أواخر القرن التاسع عشر، وكان العرض من أسباب غضب الخديو إسماعيل على صنوع.. وبذات العنوان «حكم قراقوش»، قدم نجيب الريحانى عرضا يعتمد فيه على نص كتبه الموهوب الكبير بديع خيرى، عام 1936، وتسببت فى متاعب سياسية رقابية، للفرقة.. وتوالت المسرحيات المستوحاة من «قراقوش»، سواء فى مصر، حيث كتب سليم كتشنر «ضحكة الأراجوز» أو خارج البلاد، مثل سوريا، حين قدمها فنان اسمه شادى رشيد الحلاق بطريقة «خيال الظل» أو «ظل الخيال» إن شئت الدقة.. وفى لبنان، حققها منير كسروانى وفرقته الكوميدية. وربما فى أماكن أخرى، والمتوقع أن استدعاء «قراقوش»، فى دولنا العربية، سيستمر طالما بقى فيها حكام أرازل، على طريقته.

 

زكى رستم، بأسلوبه المتميز، الذى يوحى بالخطورة على الرغم من مظهره الهادئ، يجسد شخصية «قراقوش»، العشوائى القرارات، الدموى، اللئيم، الشهوانى، يحيط به مجموعة من المتملقين، الكاذبين، اللصوص، يؤدى أدوارهم ستيفان روستى، رياض القصبجى، محمد الديب، محمد شوقى، ولا يفوت الفيلم أن يقدمهم على نحو كوميدى ساخر، فمثلا «نطاسى الأنتكة طبيب المملكة»، يأتى مريضا، منهكا، أعرجا. يعلن عن إنجازاته، فبعد أن كانت الوفيات فى المملكة بالعشرات والمئات، أصبحت الآن، بالآلاف.. عندئذ، يقرر «قراقوش» فرض ضريبة على كل متوفى.. بل ويتمادى فى فرض ضرائب على كل شىء، بما فى ذلك الدواب.. حينما يتعمد المونتير، سعيد الشيخ، أن يفتتح المشهد التالى بوجه حمار، ينهق نهيقا يمتزج فيه البكاء بالاحتجاج.

 

فى المقابل، تناهض قراقوش عدة فصائل: ضباط من الجيش، واللافت، حسب الأسماء الواردة فى المقدمة، أن ضباطا شاركوا فى التمثيل: يوزباشى صلاح المصرى. يوزباشى أنيس دياب، بالإضافة للملازم ثان توفيق نور الدين.. والأهم، أن البطل الذى يؤجج الثورة، ويقودها، سراج منير، اسمه فى الفيلم «ناصر»، ففيما يبدو أن «أريحية» بديع خيرى وفطين عبدالوهاب، قادتهما نحو إدراك الدور الرئيسى لجمال فى ثورة يوليو، قبل توليه زمام الأمور بعدة شهور.

 

المسافة واسعة بين طاقة الإبداع فى حوار بديع خيرى، وضعف الخيال فى السيناريو الذى كتبه محمود السباع، ووقع به فى مصيدة المسرح، إن لم يكن استوديو الإذاعة، فالمشاهد تتوالى طويلة، فى أماكن مغلقة غالبا، واللقطات لا تتنوع، كأن الكاميرا مربوطة بجنازير تمنعها من الحركة.. والواضح أن فطين عبدالوهاب، الأستاذ فيما بعد، لم يكن عوده قد اشتد، وبالتالى نفذ ما بين يديه من ورق، وبدا حائرا أمام أكوام الأغانى التى تشدو بها بطلة الفيلم، نور الهدى، التى تؤدى دور ابنة الغاضب، الثائر «ناصر».

 

«حكم قراقوش»، يبدأ بجلد أحد الفلاحين لأنه لم يدفع الضريبة الجديدة، وينتهى بنجاح الثورة ضد الطاغية، وما بين البداية والنهاية، ثمة لحظات إبداعية من الممثلين، العنصر الأفضل فى السينما المصرية، وبرغم أن الفيلم لم يحقق نجاحا كبيرا، ولم يغط تكاليف إنتاجه التى تحملها سراج منير، فإن العمل يكتسب قيمة فكرية، سياسية، بموقفه الهجائى، لكل النظم القراقوشية

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات