جائعون .. فى المدينة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جائعون .. فى المدينة

نشر فى : الخميس 4 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 4 أبريل 2013 - 8:00 ص

كى أتأكد من تطابق الصوت مع حركة الشفاه والأيدى، أعدت مشاهدة المقطع عدة مرات. توقفت عند كل لقطة لأرصد الوجوه والملابس والشعارات والانفعالات.. أيقنت أن التسجيل الوثائقى لا ريب فيه، وبالتالى يستحق الدراسة والتحليل، فكريا واجتماعيا ونفسيا، فما يطالعنا أكبر وأعمق من مجرد مظاهرة أو وقفة، من الممكن مؤازرتها أو إدانتها، ولكنها حالة، تعبر عن شرائح تعيش بيننا، لا تثير الغضب بقدر ما تبعث على الأسى، خاصة أنها تأتى عقب اندلاع ثورة لم تستكمل بعد، واستطاعت صوغ شعارات ذات طابع نبيل بحق، ربما كان من أقواها وأجملها وأرقها «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، ذلك أن هذا الشعار. مع غيره، يعبر عن آمال مشروعة، تلمس شغاف القلوب، وتقول الكثير، بتلخيص وتكثيف واختزال.

 

 قبل مغيب الشمس، حسب ما تكشف عنه الإضاءة الطبيعية لضياء الشمس، أمام إحدى بوابات مدينة الإنتاج الإعلامى، وقفت مجموعة من المتظاهرين، متنافرة الملابس، رجل مرفوع على الأكتاف، يمسك بمكبر صوت، يغطى رأسه بعمامة، يرتدى جلبابا داكنا، إلى جانبه آخر يمسك بحديد البوابة، يعطى ظهره لنا، صلعته الخلفية تأخذ شكل الطاقية، ضخم الجثة، فانلته زيتية اللون. بين الحين والآخر، يكتفى بكف واحدة، يقبض بها على أحد العمدان. يلتف بنصف جسمه العلوى إلى من ورائه رافعا يده الثانية، تأجيجا للحماس.. أما من خلفه فإنهم خليط من شباب.. بعضهم يلف جبهته بعصابة خضراء.. ثمة من يحمل كاميرا فوتوغرافية يلتقط بها الصور، فى مواجهتنا شاب داكن السمرة، ملتح، على قدر كبير من الحيوية.. هو الوحيد الذى يرتدى قميصا نصف كم. يباغتنا بإطلاق زغرودة لا تخطر على بال، ذلك أنها تتناقض مع مظهره الرجولى.

 

 الأهم فى المشهد، تلك الهتافات التى رددها الأشاوس، تبدأ بنذير ووعيد «وقعة سودا، وواقعة طين» ثم تنعش الذاكرة بما حدث سابقا «إحنا الليلة مبيتين، وبعتنا نجيب البطاطين».. وبدلا من أن تنطلق شعارات تندد بمدينة الإنتاج أو تهاجم المذيعين المغرضين، يقول الهتيف، على نحو يشوبه الابتذال «الطمى يا تهانى» قاصدا سيدة القانون المرموقة، تهانى الجبالى، الأمر الذى يدفع المتابع للتساؤل عن العلاقة بين «تهانى» ومدينة الإنتاج، وعما إذا كان المتظاهرون هم أنفسهم قطاع طريق وصول أعضاء المحكمة الدستورية إلى مكان عملهم.. وسريعا، يعلن الهتيف عن  هدف المظاهرة المأمول «هاندبح عجل تانى» وتزداد نشوة الرجل وهو يستكمل «وهناكل لحمة تانى».. ومع تكرار جملة «وهناكل لحمة تانى» تزداد الحماسة، وتنطلق الزغرودة الخلفية سالفة الذكر.. وبلا خجل ، يعلن المحمول على الأكتاف «واللحمة وحشانا» .. ليؤكد الجميع، المرة تلو المرة، بأصوات موحدة، هادرة، مفعمة بالأشواق «واللحمة وحشانا» .. عندئذ، يدرك المرء ما تنطوى عليه الصورة من مهانة، فالمتظاهرون، بقدراتهم الفعالة، لم تحركهم سوى أمعاء خاوية.. وما يثير الشفقة أن المتسكعين على بوابات المدينة، غادروها ليلا.. دون أن تكتحل عيونهم، بالذبائح، أو يبتل ريقهم بما وُعدوا به.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات