مادام تحب.. بتنكر ليه - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 4:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مادام تحب.. بتنكر ليه

نشر فى : الجمعة 4 مارس 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 4 مارس 2016 - 9:35 م
رُب صدفة خير من ألف ميعاد.. أمسية سعيدة، مبهجة، ذهبت بالكثير من كدر مشاهد هزليات ضرب الأحذية على مسرح مجلس الشعب، وتذللات أحد أعضائه كى لا يتم فصله.. ليلة مضيئة، أنقذتنى من قتامة مذيعين يفاخرون أنهم فتوات، ينتظرون، بشوق، منازلة خصومهم، بعضلاتهم اللينة، التى لا علاقة لها بعضلات محمد رمضان، فى أفلام السبكى، المتهم عادة، بترويج فكرة أن العنف سيد الأخلاق.

أغلقت التلفاز، فتحت الجهاز الذى لا يزال يدهشنى، المسمى «اللاب توب»، بعد أن تعلمت أخيرا، تشغيله، بدافع من تأنيب وتشجيع أصدقائى، كى أدخل ذلك العالم الرحب.. مصادفة على شاشته، طالعتنى صورة لوجه فتاة، تمسك بميكروفون، قريب من فمها، مكتوب بجوارها «سهيلة بهجت ــ مادام تحب بتنكر ليه ــ المواجهة الأخيرة».

ما إن ضغطت على إشارة السهم حتى خطفنى صوت صداح، منطلق بحرية، دافئ وثرى، شديد الجاذبية، يعطى الكلمات معانيها، يتهادى تارة، يندفع تارة أخرى، ناعما، قويا، مشبعا ينفذ من الأذنين إلى القلب والعقل.

الفتاة مصرية تماما، طيبة الملامح، وجهها ممتلئ، مستدير، حاجباها كثيفان، يبرزان وداعة العينين، شعرها الطبيعى ملفوف بفيونكة حمراء. ترتدى فستانا رقيقا، بسيطا، مزركش بألوان الورود وأوراق الشجر، يؤدى على خلفيته السوداء إحساسا بالأرض الزراعية الخصبة.

على خشبة مسرح مربعة، مغمورة بأضواء الكشافات، تقف ابنتنا راسخة، واثقة، مبتسما بألفة.. ما إن تعزف المقدمة الموسيقية، تدرك فورا أنها لأحد مبدعى الأنغام الشرقية، محمد القصبجى، المتألق مع شمس الغناء، أم كلثوم، خاصة حين تكون الكلمات، للشاعر المتبتل فى محراب أم كلثوم: أحمد رامى.

بعد ثلاثة أرباع قرن من الزمان، منذ غنت أم كلثوم «ما دام تحب تنكر ليه» عام ١٩٤٠، تقف بنت «كفر الزيات»، سهيلة بهجت، فى بيروت، لتشدو، بذات الأغنية، فى مسابقة «ذا فويس كيدز» بتدريبات الفنان المرهف، كاظم الساهر.

الأغنية قصيرة، لا تتجاوز الخمس دقائق، لكنها تمور بانفعالات متلاحقة، متباينة، فيها محبة، عتاب، شقاوة، قوة، دلال، تساؤلات، حكمة.. ألحانها اللينة المنسابة برقة، تتطابق تماما مع تبدلات المواقف والأحاسيس، تتدفق بصوت سهيلة، المتمتع بعنفوان ابنة الرابعة عشر.

لم أتوقف عن إعادة سماع الأغنية، كى أتابع حركة ذراع الفتاة المقتصدة، المعبرة، ونظرة عيونها التى تفصح، بجلاء، عن المشاعر، وهى تتغنى بها، كلاما.

المخرج الموهوب، الذكى، الذى لا أعرف اسمه، ثبتنى أمام الشاشة الصغيرة، عدة مرات، لا لكى أستمتع بصوت سهيلة وحسب، بل كى أتابع وقع شدوها، على الحاضرين، وكيفية تعبيراتهم العفوية، عما يتهادى إلى أسماعهم.. بعبارة أخرى، أخذت استمع للأغنية، بملامح وجوه لجنة التحكيم: نانسى عجرم، بصفاء وجهها الرقيق، تفغر فاهها الصغير، بدهشة وإعجاب.. تامر حسنى، يبتلع ريقه، يغنى معها، صامتا.. كاظم الساهر، مبتسما بإشراق، منتشيا.

كل ما سبق فى كوم، ووالدا سهيلة فى كوم آخر.. اللقطات العابرة للأم، تتابع ابنتها بقلب يفيض قلقا، تكاد تسمع دقاته فى عينيها.. أما والدها، نموذج الأب المصرى الحنون، رقيق الحال والحاشية، بقميصه الأبيض، فإن الوجد يأخذه، يتمايل بذراعيه طربا.. لكن، حين يأتى مقطع «لكن فؤادك يهوانى، وأعرف هواك من وجدانى»، تنهمر الدموع من عينيه، ويبدو كما لو أنه هو المقصود بالمعنى.. يغمض عينيه ويضع أصابعه فوق جفونه، وعندما تواصل، بحنو ويقين «هو أنت تقدر، تقدر تسلانى؟»، يكفكف دموعه بمنديل، يحرك رأسه يمينا ويسارا، كأنه يجيبها بـ«لا» وتعلو ملامحه علامات الرضاء والراحة.. أقول: استمتعت بالأغنية، ومعانيها الأشمل، والأعمق، باللقطات العابرة، العفوية، المعبرة، لوجه الأب.. المصرى.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات