شىء من الغياب - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 7:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شىء من الغياب

نشر فى : الأربعاء 3 نوفمبر 2010 - 10:09 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 نوفمبر 2010 - 10:09 ص

 أن تشاهد فيلما شىء، وأن تعرفه شىء آخر، فالمشاهدة لطيفة، عابرة، والمعرفة وإن كانت لا تخلو من عناء، هى إضافة للعقل، تزداد أهميتها عندما يعاد عرض مجموعة من أفلام جديرة بالدراسة والتأمل. وهذا ما كاد يحدث فى مهرجان أبوظبى ولم يكتمل، فتحت عنوان «خرائط الذات: التجريب فى السينما العربية منذ الستينيات حتى الآن» الذى تتعاون فيه عدة مؤسسات، جاء اختيار أربعة أعمال سينمائية تمثل فكرة أصحاب البرنامج، وهى «المومياء» لشادى عبدالسلام، «اليازرلى» لقيس الزبيدى، «سجل اختفاء» و«يد إلهية» لإيليا سليمان، اختيار فيلمين لمخرج واحد مسألة تستحق المساءلة، فلماذا إيليا سليمان بالتحديد، خاصة أن الفيلمين، شأنهما شأن فيلمه الثالث «الزمن الباقى» ينتميان لأسلوبه المتميز، الموحد، حيث التحليق فوق الواقع والتحرر من منطقية السرد العادى. وربما كان من الأجدى أن يهتم البرنامج بأفلام أخرى تحل مكان أحد فيلمى إيليا، مثل «الهائمون» للتونسى ناصر خمير، بأسلوبه المتمتع بنزعة تشكيلية فريدة والمستوحى من تراث «ألف ليلة وليلة».. أو «حلاق درب الفقراء»، الفيلم الوحيد لصاحب الموهبة الكبيرة، المغربى محمد ركاب، الذى جعلنا نرى، بشمول وعمق، أحد الأحياء المنسية فى الدار البيضاء.

بعيدا عن مسألة الاختيار المنحاز للأفلام، يأتى السؤال الأهم: كيف تم تقديم هذه الأعمال؟. الإجابة تأتيك من قلب المهرجان: مجرد مشاهدة فقط، فلا ملف خاصا بكل فيلم، أو دراسة ضافية، أو حتى تجميع لما كتب عن هذا الفيلم أو ذاك، وهذه مسئولية إدارة المهرجان، التى كان يليق بها أن تطلع بها، وبالذات بالنسبة لـ«اليازرلى»، الذى يعاد اكتشافه بعدما يقرب من أربعة عقود. ولهذا الفيلم ــ دونا عن بقية الأفلام ــ قصة لابد أن تروى. «اليازرلى» مأخوذ عن قصة «على الأكياس» لحنا مينا، يدور حول فتى فى أسرة فقيرة، والده، بائع الحلوى، يختفى، والدته تقنعه أن الوحوش وقطاع الطرق قتلوا والده. شقيقته تهرب وتعمل فى الدعارة. الفتى ينخرط فى العمل بمخزن للغلال نظير أجر ضئيل. يهيمن عن المكان اليازرلى، ببنيانه القوى. العمال يثورون تارة، والفتيان يتمردون تارة أخرى. لكن اليازرلى، الطاغية، الذى يعمل لحساب صاحب المخزن يجبرهم على الامتثال. اليازرلى يعشق الشابة المتفجرة بالأنوثة «صبيحة» التى تتمنع عنه فيغتصبها، وسريعا يدخل فى دوامة الجنون. لكن الفيلم ليس مجرد الأحداث، فهو يعتمد على المشاهد التخيلية والأحلام والكوابيس يعبر عنها قيس الزبيدى بالإضاءة الشديدة، المبهرة، وبتغيير أنواع العدسات.. وربما بسبب جرأة بعض المشاهد، أو تفسير غياب الأب الطيب وحلول اليازرلى مكانه، تفسيرا سياسيا، لم يعرض الفيلم سوى مرة واحدة. لكن من حسن حظ «اليازرلى» أن ناقدنا الكبير الراحل، فتحى فرج (1934 ــ 2001»، زار سوريا عام 1974، وأحضر نسخة من الفيلم، وكان حينئذ يعمل مديرا لنوادى السينما بالأقاليم، مما أتاح فرصة ذهاب «اليازرلى» إلى معظم عواصم المحافظات، ولاحقا، عرض الفيلم بنادى سينما القاهرة، وكتب فتحى فرج دراسة ممتعة عنه بنشرة النادى، أعيد نشرها فى كتاباته المختارة التى جمعها سمير فريد وصدرت فى سلسلة «آفاق السينما» التى يشرف عليها أحمد الحضرى.. لو أن هذه الدراسة، وغيرها، أحاطت بـ«اليازرلى»، لكان ثمة كلام آخر.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات