شفافية (الثلاث ورقات) - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 10:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شفافية (الثلاث ورقات)

نشر فى : السبت 3 أكتوبر 2009 - 9:09 ص | آخر تحديث : السبت 3 أكتوبر 2009 - 9:09 ص

 صديقى رضا الطويل من مقاتلى أكتوبر الأشداء، ومنذ أكثر من ربع قرن يكرر حكاياته عن الحرب، حتى إننى حفظتها تماما، وهو فى هذا يعاملنى بالمثل، فأنا أيضا أعيد سرد حكاياتى مرارا، طبعا مع بعض الإضافات والمحذوفات حسب مقتضيات الحال.. وأخيرا، صدرت مجموعة قصصية بعنوان «الثلاث ورقات»، تتضمن تسع حكايات من وعن الحرب، وعلى الرغم من أننى سمعتها، بصوت كاتبها، رضا الطويل، فإنها، بقلمه، اكتسبت ألقا مدهشا.

بدت لى جديدة، فهى، على غير المألوف، لا تقدم الوقائع الكبيرة، ولا تتغنى بالإنجازات الضخمة، ولا نكاد نسمع دوى المدافع وأزيز الطائرات، ولكن نرى، بعيون لا يفوتها رصد التفاصيل، الإنسان المصرى فى الحرب، قبل وأثناء وبعد المعارك، والكاتب هنا، إلى جانب إحساسه القوى، المرهف، بأدق الدقائق ــ حبات الرمل الصغيرة بين أصابع الأرجل، انسياب الماء الساخن على جسد منهك ــ يتسلل إلى أعماق أبطاله، يتفهم أشواقهم للنصر وتصفية الحساب، يدرك حجم نشوتهم برؤية مواقع العدو وهى تتفجر، ولكن لا ىفوته تسجيل أحاسيس «عم سليمان» دافن الموتى، عازف «الترمبون» سابقا، الذى يقول بشفافية حين يسأله أحدهم عن الفرق بين جثث شهدائنا وقتلاهم :«أنا أتعامل مع الأشلاء، ألملم عقل الأصابع، التقط مقل العيون، أفتش عن الأسنان المتناثرة، أجمع هلاميات الأمخاخ اللزجة بأنصاف الرءوس المشجوجة، أدس أحشاء البطن المبقور فى البطن المبقور...» ولن أستكمل بقية اللوحة الموجعة التى تنتهى بكلمات أقرب للحكمة، يرددها الرجل صادقا: «الموتى ليس لهم وطن، والجثة لا تحمل جنسية، أنت لا تستطيع أن تكره جثة».

هذا ما يقوله دافن الموتى، لكن فى أتون المعارك، يغدو للجثة معنى، وربما، كما فى قصة «حرب الزناتى»، تصبح وسيلة لتفريغ شىء من جام غضب محاربين، استشهد زملاؤهم.

فى معظم القصص، تسرد الوقائع والأحداث على لسان الراوى، يترك مساحات لشخصياته كى تعبر عن نفسها، بالتصرفات والكلمات وملامح الوجه، تلك الملامح المعبرة عن مكنون النفس، والتى يرصدها الكاتب بآلة تصوير شديدة الحساسية، فها هو «محجوب»، بطل «سلطان زمانه»، يقف أمام مستجوبيه، بعد تبديده لوابور الجاز الذى ذهب لإصلاحه فتنازل عنه عقب أوقات بهجة قضاها مع امرأة، وبرغم عقابه المحتمل تجده «بادى الرضا، منتشيا، لا يقوى على كبح الاغتباط المرتسم على سحنته التى أصبحت بشوشة، ينتظر بغير ندم الجزاء الذى سيوقع عليه».

الثلاث ورقات، بدت لى أقرب للوحات سينمائية، بديعة وقوية ومؤثرة، لم أرها فى أفلامنا الروائية.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات