(عايزين نعيش)..وكمان (عايزين نتعالج) - منى مينا - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 10:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(عايزين نعيش)..وكمان (عايزين نتعالج)

نشر فى : السبت 3 مارس 2012 - 8:40 ص | آخر تحديث : السبت 3 مارس 2012 - 8:40 ص

هل هو الطمع؟ أم أنها رياح الثورة تجعلنا نحلم ونبالغ فى الأحلام أم هى تطلعات طبيعية لأى مواطن يرى أن من حقه أن يحيا بكرامة؟ وهل ممكن أن نبالغ فى الأحلام، ونبدأ فى الكلام حول مطالب من نوع «عايزين نتعلم بجد» أو «عايزين سكن محترم» أو «عايزين نشرب ماء غير ملوث؟».

 

عموما ولأنى طبيبة، وأحد المهتمين بمشاكل الصحة فى بلادنا العزيزة، سأركز الكلام اليوم على هذا المطلب البسيط «عايزين نتعالج بجد وبكرامة».. فكيف يمكن ذلك؟ كيف يمكن ذلك والمستشفيات بالأغلب خرابات تسودها الفوضى.. بها عجز شديد فى كل شىء بدءا من أدوات النظافة، والسرنجات والقطن والشاش وحتى إمكانات العناية المركزة.. يقدم الخدمة بها أطقم من الأطباء والفنيين والتمريض كل منهم غارق فى مشاكله الخاصة، يفكر كيف يجد فرصة عمل خاص تساعد فى تحمل أعباء الحياة التى أصبحت غير محتملة أو كيف كيف يجد فرصة سفر للعمل بالخارج حتى يهرب من كل هذا الجحيم.

 

«عايزين نتعالج بجد وبكرامة» يعنى أننا نحتاج لمستشفيات تتوافر بها إمكانات تقديم الخدمة الصحية، مستشفيات بها أدوات نظافة وعمال نظافة يأخذون أجرا يتيح لهم التركيز على عملهم فى النظافة بدلا من الجرى وراء «البقشيش» من هنا أو هناك.. مستشفيات توفر التحاليل والأشعة والعلاج للمرضى سواء مرضى العيادات الخارجية أو الأقسام الداخلية.. مستشفيات توفر أسرة العناية المركزة والحضانات لكل من يحتاجها دون أن تطالبه بدفع آلاف الجنيهات التى يعجز عن دفعها أغلبية الشعب المصرى الذى يقع 40 ــ 50% منه تحت خط الفقر.. «عايزين نتعالج بجد» يعنى إننا نحتاج لأطقم من مقدمى الخدمة الطبية ــ أطباء وتمريض وفنيين ــ يتلقون باستمرار تدريب على ما استحدثه الطب فى مجال عملهم، ويحصلون على أجور عادلة.. على الأقل حتى نستطيع أن نحاسبهم إذا أخطأوا أو قصروا.

 

 

ولأنه من البديهى أن كل ما سبق يحتاج لميزانية محترمة لقطاع الصحة والتعليم الطبى، طالبنا قبل ذلك مرارا برفع نصيب الصحة لـ15% من الموازنة العامة للدولة، كما تقضى الاتفاقيات والمعايير الدولية (حاليا نصيب الصحة 4%!).

 

طالبنا بهذا المطلب مرارا وتكرارا، قبل وبعد الثورة، وسمعنا كثيرا من الردود الرسمية للمسئولين الذين يتفقون معنا أننا ندافع عن قضية عادلة ومهمة، ولكن «مصر دولة فقيرة ولا تستطيع توفير النسبة التى نطالب بها للصحة»! الحقيقة أننا نجد هذا الكلام عجيبا جدا، لأننا نطالب بنسبة من ميزانية الدولة وليس برقم معين، وهذه النسبة ستعطى رقما كبيرا إذا كنا دولة غنية أو رقم متواضع إذا كانت كل ميزانية الدولة فقيرة.. لكن 15%حق الصحة من الميزانية ــ أى إن كانت هذه الميزانية ــ هو حق المواطن المصرى فى العلاج.. أما الوضع الكارثى الحالى للمستشفيات فهو نتيجة طبيعية لأننا نعطى للصحة نسبة ضعيفة من ميزانية فقيرة، ثم نهدر أغلبه فى الفساد وتبطين المستشفيات بالرخام والجرانيت!

 

حجة أخرى عجيبة يرد علينا بها «نجيب لكم منين؟» ونحن نرد ببساطة: من تغيير أولويات الإنفاق الحكومى، ومن إغلاق حنفيات الفساد.. يكفى أن نذكر أن نصيب الصحة والتعليم معا فى ميزانية مابعد الثورة ــ مازال مثلما كان فى ميزانية ما قبل الثورة ــ أقل من نصف ميزانية وزارة الداخلية! أيضا نلفت نظركم لأن مكافآت المستشاريين بالوزارات المختلفة بلغت فى العام الماضى 24 مليار جنيه، بينما مجمل ميزانية وزارة الصحة 24.5 مليار!

 

قيل كل هذا الكلام سابقا من كل المهتمين بشئون الصحة مرارا وتكرارا، تحدثنا عن أهمية إعطاء قطاع الصحة لنصيبه من الاهتمام ومن الإنفاق ليس فقط لتكسين آلام المرضى، ولكن لأن الصحة والتعليم هما طريقنا للتنمية إذا أردنا أن نفتح طريقا يخرج بنا من مستنقع الجهل والفقر والمرض، لكننا لم نجد فى السابق أذانا صاغية، ليس لأن هذا الكلام صعب على الفهم، أو حتى على التنفيذ، ولكن لأن صحة المواطن المصرى وحياته كلها لم يكن لها أى قيمة عند صانع القرار.. أحلام التنمية والتطلع لغد أفضل لا تساوى شيئا لأن المسئولين كانت لهم أولويات أخرى فى النهب والسلب.. كل الحجج والضغوط والوقفات والاحتجاجات التى حاولنا بها إفهام صناع القرار خطورة الأوضاع وضرورة إصلاحها، اصدمت بحائط اللامبالاة والفساد وأولويات مصالح شريحة ضيقة من المجتمع.. ولذلك جائت الثورة..

 

والآن ها نحن نكرر نفس المطالب الواضحة والبسيطة، بحق صحة المصريين فى 15% من ميزانية بلادهم، نكرر هذا الكلام ونحن مقبلون على وضع موازنة العام القادم، التى سيناقشها ويقرها برلمان ما بعد الثورة، فهل ستجد مطالبنا أذانا صاغية، وإرادة سياسية تنحاز لحق المصريين فى العلاج بكرامة أم سنجد تكرارا لنفس الحجج والمغالطات القديمة؟  

التعليقات