دكتور جيكل.. مستر هايد - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 5:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دكتور جيكل.. مستر هايد

نشر فى : الخميس 3 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 3 يناير 2013 - 8:00 ص

بوجه طيب بشوش، وابتسامة مترعة بمحبة خالصة، جاء صوت الرجل، صاحب اللحية البيضاء، رقيقا، عذبا، يحاول، بكل طاقته، استرضاء ضحية الأمس، فأخذ يكيل المديح، ويعدد مناقب ومواهب المذيع الذى كان محلا للهجاء منذ أيام قليلة.. لم يفت صاحب اللحية البيضاء أن يدعو، بورع، لابنة صاحب برنامج «البرنامج»، متمنيا لها حسن الطالع، وزيادة فى الود، طلب الرجل، برجاء، إما أن يأتى باسم يوسف كى يتناول الطعام معه، أو يذهب المتحدث إلى بيت المذيع، ليتقاسم معه لقمة خبز.

 

هذا التوجه المتحضر. الحميم، المحترم، يتناقض تماما مع ما قام به صاحب اللحية حين أخذ يتلمظ معددا معالم فتنة المذيع، الأمرد، الناعم البشرة، الحلو، الذى يفوق إغراؤه ما يتوافر عند ليلى علوى أو إلهام شاهين، واندفع فى موجة عاتية من التهديد والوعيد، على نحو لا يتأتى إلا للعتاة.

 

الفارق بين الموقفين يحيلنا إلى تلك الرواية التى كتبها الاسكتلندى روبرت لويس ستيفنسون بعنوان «دكتور جيكل.. مستر هايد». ومنذ صدورها عام 1886 تحولت إلى عشرات المسرحيات والأفلام، فالواضح أن هذا العمل الأدبى نجح فى التعبير عن حقيقة ما، تلبى حاجة الناس للمعرفة، وكشف المسكوت عنه. الرواية، فى جانب من جوانبها، تميط اللثام عن العصر الفيكتورى فى إنجلترا، حيث التزمت المعلن، والتدين الشكلى، والورع المظهرى، بينما تنتشر فى شوارع العاصمة البريطانية المظلمة ليلا، الغارقة فى الضباب، كل أنواع الموبقات والجرائم والبلطجة والقمامة.. فى جانب آخر، تحكى الرواية عن تلك الازدواجية فى أخلاقيات رجل محترم، مشهود له بدماثة الخلق، يشتغل بمهنة الطب، علاقاته طيبة وانسانية مع الجميع، اسمه «دكتور جيكل» لكن، بعد أن ينتهى النهار، يتحول جيكل إلى كائن آخر، وحشى الطباع، يطلق على نفسه اسم «مستر هايد»، يمارس فجورا، ولا يتورع عن القتل، ويتسلل عائدا إلى مسكنه ليستيقظ فى الصباح وقد استرد شخصية «جيكل»، رجل الفضيلة والعفاف.. ولما يأتى الليل، يخرج باحثا عن ضحايا جدد.. إنه، يشبه مدينته.

 

الرجل، ذو اللحية البيضاء، يذكرنا ببطل الرواية، فبعد موقفه الإنسانى، الذى لا يخلو من دماثة، تجاه المذيع، تعاوده نوبة «مستر هايد» ــ الذى كان يتسمع، بكل خسة، إلى ما يدور من ممارسات داخل الغرف المغلقة ــ فها هو، بخياله الفاسد السقيم، يضحك بخلاعة، حين يتصور كيف ينام مذيع مرموق، مع زوجته، المذيعة المحترمة، وهما، حسب قوله المنحط: شيطان وشيطانة.

 

حالة «دكتور جيكل.. مستر هايد» لا تنطبق على صاحب اللحية البيضاء فقط، ولكن تمتد إلى آخرين ــ وقانا الله وإياكم من هذا المرض ــ فالرجل المولع بإلهام شاهين، أطلق شروره تجاه مذيع آخر، واصفا إياه، ووالداه، بأسفل الصفات.. وفى هذه المرة، بعد أن هدأت النوبة، حاول أن يكون «دكتور جيكل»، ففعل كما فعل زميله سالف الذكر. انطلق، فى مكالمة هاتفية، معتذرا، آسفا، معددا مناقب الضحية، داعيا بالعافية لوالده.

 

بصدق، أتمنى الشفاء للمريضين، كى لا يلقى الواحد منهما مصير بطل الرواية، كما قدمتها الشاشات وخشبات المسارح: إما سجينا أو هاربا أو منتحرا، والعياذ بالله.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات