سينما.. تصنع الحياة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 7:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سينما.. تصنع الحياة

نشر فى : الأربعاء 2 نوفمبر 2011 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 2 نوفمبر 2011 - 9:20 ص

أكاد أقول إنه الفيلم الوحيد، فى مهرجان أبوظبى، الذى لم يختلف عليه اثنان، ذلك أنه نجح بجدارة، فى لمس أوتار القلوب، ولفت الأنظار إلى مناطق، فى التاريخ والفن والنفوس البشرية، تستحق التأمل والإحياء، والبقاء، قبل أن تغمرها ظلال النسيان. والفيلم، فى ذات الوقت، يحقق مفهوما جديدا فى السينما التسجيلية، يتجاوز دورها البناء، فى التعبير عن قضايا المجتمع والناس، والوقوف إلى جانب المظلومين وهجاء الطغاة.. إنه، بفضل دأب وقوة وعزيمة مخرجته الشابة، صافيناز بوصبايا، المتمتعة بحس إنسانى رفيع، قدم ما يمكن أن تسميه، من دون مغالاة، مساهمة فى صنع الحياة.

 

عنوان الفيلم قد يكون غريبا، «الجوستو»، وهى كلمة تطلق على نوع من الموسيقى الشعبية الجزائرية، تمزج بين الموسيقى الأندلسية والبربرية والفلامنكو والمدائح النبوية، تصهرها جميعا فى بوتقة واحدة لتتبلور فى أنغام «الجوستو»، المعزوفة على آلات شرقية، بإيقاعاتها المعتمدة على الطبلة والرق، تصدح معها أصوات بشرية مترعة بمشاعر المحبة والبهجة والحنين والألم.. وصلت «الجوستو» إلى قمة ازدهارها فى الأربعينيات والخمسينيات، بفضل الفرقة التى كونها «الحاج محمد العنقاء» ثم، للعديد من العوامل، بدأ تدهور الفرقة، عقب وفاة «العنقاء»، وتشتت أفرادها، ومع العقود الأخيرة الدامية، فى الجزائر، أفلت موسيقى «الجوستو» نفسها.

 

صافيناز بوصبايا، المولودة فى الجزائر، درست فى سويسرا وإنجلترا، وتخصصت فى هندسة المعمار، حققت من قبل فيلمها التسجيلى «الأولاد المجهولون»، و«الجوستو» هو عملها الثانى، جاءتها فكرته إبان زيارتها لمسقط رأسها عام «2003»، فأثناء شراء مرآة قديمة، تعرفت إلى صاحب الدكان العجوز، الذى حدثها حديثا خلابا عن «الجوستو»، والفرقة ذات الصيت الواسع التى كان أحد أعضائها.. وبدأت صافيناز مشوارها الطويل، المضنى، الممتع، فى البحث عن بقايا أعضاء الفرقة الذين لم يغيّبهم الموت، ولكن فرّقتهم الأيام، بعضهم تاه داخل البلاد، وبعضهم ــ من اليهود ــ رفضوا الذهاب لإسرائيل وأقاموا فى فرنسا.

 

يعتمد الفيلم فى بنائه على مرتكزات راسخة: مادة أرشيفية ثرية، صور فوتوغرافية لأعضاء الفرقة أيام الشباب. مشاهد لمواجهات دامية بين الثوار وقوات الاحتلال، لقطات لحى القصبة العتيد، وتأتى هذه الشذرات مع الذكريات الحميمة لهؤلاء الذين أحبتهم المخرجة، فبدت وجوههم، بما تحمله من آثار الزمن، ساحرة على الشاشة. هنا يمتزج الخاص بالعام، والماضى بالحاضر.. لكن الفيلم يتجه بثقة وثبات، نحو المستقبل، فالتدريبات لا تتوقف طوال سبع سنوات، وها هى السفينة تحمل قدامى العازفين والمغنيين من الجزائر إلى فرنسا كى ينضم لهم زملاء الأيام الخوالى. تتواصل البروفات، وتدب روح الشباب فيمن تجاوزوا السبعين، وتتلألأ العيون المنهكة بالأمل والإشراق، فآفاق المستقبل مفتوحة.. وأخيرا، تأتى لحظة الميلاد الجديد: الفرقة كاملة، مكتملة تقدم «الجوستو» على أكبر مسارح مارسيليا وباريس. ومع تحية حارة من جمهور مفتون بما شاهده، يحتضن أعضاء الفريق، ابنتهم، صافيناز، التى منحتهم.. قبلة الحياة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات