الاستنجاد بالشريعة لتبكيت الخصوم - امال قرامى - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 2:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاستنجاد بالشريعة لتبكيت الخصوم

نشر فى : الثلاثاء 1 يناير 2013 - 8:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 1 يناير 2013 - 8:30 ص

عكست خطبة الجمعة التى ألقاها «راشد الغنوشى» بالمقر المركزى لحركة النهضة بتاريخ  28/12/2012 الجدل السياسى الذى أثير خلال هذا الأسبوع حول ما سمى بقضية رفيق بوشلاكة وزير الخارجية. ولا غرابة أن يكون موضوع الخطبة نَهى الجموع عن الحديث فى أعراض الناس بلا دليل ولا برهان ذلك أن من مسئوليّة الأب أن يدافع عن ابنته بالدرجة الأولى ثمّ عن صهره، و«الغنوشى» إذ يخوض فى هذا الموضوع إنّما يستنجد بالمرجعيّة الإسلاميّة لتخليص صهره من ورطة، مثبتا بذلك إلى أى مدى يمكن توظيف الدين لخدمة السياسية

 

إنّ ربط ما حدث خلال هذا الأسبوع بحادثة الإفك من جهة، والوصل بين عمل مدوّنة أنجزت سبقا إعلاميّا يُدرج فى خانة صحافة الاستقصاء، ومن تشبّهوا بأخلاق المنافقين الذين انتهكوا عرض السيدة عائشة أمّ المؤمنين رضى الله عنها، من جهة ثانية لا يستقيم فى نظرنا. فالقضيّة لا تتعلّق بنشر تفاصيل مواعيد رفيق بوشلاكة مع قريبة له فى أرقى النزل، وفى ساعة متأخرّة من الليل باعتراف المرأة نفسها، وإنّما بحسن التصرّف فى ميزانيّة وزارة الخارجيّة فى بلد يمرّ بأزمة اقتصاديّة خانقة. فما يعتبره «بوشلاكة» عاديّا، ويعنى بذلك الإقامة فى النزل الفخمة يرى فيه عدد من الحقوقيين، والسياسيين، والنوّاب، والفئات المهمشة والمحرومة سوء تصرّف وتجاوزا للقانون. ولا نخال من أقام فى بريطانيا وتابع مميّزات الأنظمة ذات الحوكمة الرشيدة يستكثر على مدوّنة أن تنشر وثائق تعتبرها حجّة على  إهدار المال العامّ، وأن تطالب بالمبرّرات التى تحترم وعى التونسى ــ التونسية وأن يتمّ ذلك فى مناخ جديد تعيشه تونس التى تطمح إلى إرساء تقاليد تتمثّل فى الشفافيّة، والمساءلة، والمحاسبة، ورصد التجاوزات، ومقاومة الفساد.

 

غير أنّ الاستنجاد بحادثة الإفك، والتذكير بالعقوبة الدنيويّة والأخرويّة التى أقرّها الله لمن يقذف الناس فى أعراضهم بدون وجه حقّ، والتنبيه إلى أنّ الحدّ الذى يخصّ من يرتكب هذا الفعل هو ثمانون جلدة ينتزعنا من سياق التدرّب على الديمقراطية، وعلى آلياتها، ومرجعيتها القانونيّة والحقوقيّة، ومقتضيات الإعلام الذى تحتاجه البلاد فى مثل هذه المرحلة، ليقذف بنا فى سياق تاريخى مختلف تماما له شروطه الاجتماعيّة والثقافيّة المغايرة.

 

وهكذا تكتمل الصورة بعرض قراءتين: قراءة قدّمها «بوشلاكة» حين اعتبر أنّ ما حدث إنّما يندرج ضمن حرب الشائعات المعلنة منذ مدّة ضدّ وزراء الحكومة خاصّة فى هذه المرحلة الحسّاسة ويراد منها تشويه صورة الحكومة التونسيّة فى شخص وزير خارجيتها، وقراءة عرضها «الغنوشى» ظاهرها دينيّ أخلاقوى يروم تقويم السلوك، وباطنها سياسى يبحث عن المخرج. ولا يخفى أنّ هذه القراءة الدينيّة تعضد السياسيّ فى محاولة لإضفاء المصداقية والشرعيّة. فمن يستطيع أن يقدح فى التبريرات الدينيّة؟

 

ولئن قبلنا ما ذهب إليه الغنوشى أنّ المجتمع المسلم السليم ينبغى له أن يتجنّب المسّ بأعراض الناس ونشر الفاحشة بين المسلمين فإنّنا نذكّره بأنّ حزبه (ذا المرجعية الإسلامية) قد فوّت على نفسه فرصة تجذير المنظومة القيمية، وذلك حين ركّز عمله على «التدافع السياسى» وخاض حربا ضروسا من أجل امتلاك السلطة فلم يستطع بعد ذلك تقديم قيادات سياسيّة تعترف بالخطأ، وتتحمّل مسئولياتها كاملة فتستقيل، ولا استطاع كبح جماح «شباب الحركة» الذين شوّهوا صور الخصوم وقذفوا المحصنات. ونذكّر الغنوشى أنّه عندما قذفت شخصيات عديدة لم ينتصب إمام لنهى الأتباع عن حملات التشويه، وعندما قذفت المثقّفات والناشطات الحقوقيات لم نسمع شيخا يدافع عن المحصنات، وينهى عن مس أعراضهن. فهل نعيش اليوم حالة من الفرز: بين نسائنا ونسائهم، رجالنا ورجالهم، حالة من التمييز تفرّق بين المواطنين، والرعايا؟

 

التعليقات