نساء من عصر التابعين (3).. معاذة بنت عبدالله العدوية: حديثها محتج به في الصحاح - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:41 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نساء من عصر التابعين (3).. معاذة بنت عبدالله العدوية: حديثها محتج به في الصحاح

منال الوراقي
نشر في: الخميس 28 مارس 2024 - 9:11 م | آخر تحديث: الخميس 28 مارس 2024 - 9:13 م
تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدما على طريق التقوى والاستقامة.

وفي عصر التابعين برزت قصص عشرات النساء في حياة نبي الأمة، ممن كان لهن أثر عظيم في عصرهن والعصور التي تلته، أفرد لهن المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة، كتاب "نساء في عصر التابعين" الصادر عن دار نشر ابن كثير، ليركز على دورهن وما جرى لهن من أحداث ترتبط بالدعوة الإسلامية وبالرسول.

- معاذة بنت عبدالله العدوية

كانت معاذة من النساء التابعيات ذوات الفضل والمكانة، نشأت قريبة من ينابيع الصحابة الكرام، تنهل من معين علمهم الصافي؛ الذي أخذوه عن رسول الله.

وقد تخرجت معاذة من مدرسة أم المؤمنين عائشة وعلي بن أبي طالب وهشام بن عامر - رضي الله عنهم -، حيث رأتهم وروت عنهم، كما حدث عنها رؤوس العلم والزهد في عصرها منهم: أبو قلابة الجرمي، وإسحاق بن سويد، وأيوب السختياني وآخرون.

وإذا أردت أن تعرف مقدار مكانتها في عالم الحديث والعلم، فاعلم أن حديثها محتج به في الصحاح كلها، وقد وثقها شيخ المحدثين يحيى بن معين - رحمه الله -

وقد بلغت معاذة - رحمها الله - مبلغاً عظيماً في التفقه بالدين، والنسك والعبادة، ونهلت من معين القرآن الكريم والحديث الشريف شيئاً مباركاً، جعل الحكمة تجري على لسانها، وتنبعث من قلبها لتحتل قلوب الآخرين وتستقر في نفوسهم، وتصقل صدأ قلوبهم.

وكانت مولعة بقرآن الفجر الذي تشهده الملائكة، إذ تصبح وتمسي على قراءة القرآن الكريم وترتيله، وقلبها يلهج بذكر الله عز وجل، ولم يكن يشغلها عن هذا أي شيء حتى في يوم زفافها.

- زَوَاجُهَا:

زوج معاذة العدوية، هو صلة بن أشيم، أبو الصهباء العدوي البصري، الزاهد العابد، السيد القدوة، التابعي الجليل، صاحب الكرامات الثابتة، وكلا الزوجين بحرٌ في العلم والفقه، وعلم في الورع والزهد، وكان لزواجها قصة تؤنس النفوس، وتجلو القلوب لما فيها من طيب الحديث الذي ظل الناس - عصر ذاك - يتداولونه فيما بينهم حيناً من الدهر، ومن ثم نقلوه إلى غيرهم ليبقى خالداً إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى.

ولما كان يوم زفاف معاذة العدوية، وحينما أهديت إلى زوجها صلة بن أشيم، جاء ابن أخي صلة، فمضى به وأدخله الحمام، ثم ألبسه أجمل الثياب، وأدخله على معاذة في بيت يتضوع بالطيب، وتنبعث منه أجمل روائح البخور والعطور، وقد هيىء البيت كأجمل ما تكون البيوت.

ولما صار الزوجان معاً في البيت، ألقى صلة السلام على معاذة، ثم قام يصلي، فقامت معه فصلت أيضاً، واستغرقا في الصلاة، فلم يزالا يصليان ويصليان حتى وافاهما عمود الفجر، وتنفس الصبح، ونسيا أنهما في ليلة الزواج.

وفي الصباح أتاه ابن أخيه يتفقد أحواله، فعلم أنه ظل يصلي حتى أسفر الصبح، فقال لعمه: أي عم، أهديت إليك ابنة عمك الليلة فقمت تصلي وتركتها؟. فقال صلة: يا بن أخي، إنك أدخلتني أمس بيتاً أذكرتني به النار، ثم أدخلتني بيتاً أذكرتني به الجنة، فما زالت فكرتي فيهما حتى أصبحت.

على مثل هذا النهج من العبادة، تابعت معاذة وزوجها حياتهما في طلب مرضاة الله عز وجل، وقد رسمت معاذة صورة حية عن عبادة زوجها فقالت: كان أبو الصهباء يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا زحفاً.

وحدث ابن شوذب قال: قالت معاذة العدوية: ما كان صلة يجيء من مسجد بيته إلى فراشه إلا حبواً، يقوم حتى ما يقر في الصلاة.

وقد وصفته أيضاً، ووصفت أصحابه الذين تعاقدوا على محبة الله عز وجل، فقالت: كان صلة وأصحابه إذا التقوا عانق بعضهم بعضاً، وكانت تأتي بزوجها في عبادته حتى غدت إحدى النساء اللاتي يضرب المثل بهن في العبادة.

وقد أثرت عنها أقوال تشير إلى فصاحتها وبلاغتها وتمكنها من ناصية الكلام، كما تدل على مدى صلتها الوثيقة بالله سبحانه وتعالى، فمن أقوالها: لعين تنام؛ وقد علمت طول الرقاد في ظلم القبور.

وكانت أقوالها لا تخلو من النصيحة والتحذير من الدنيا، فقد قالت لامرأة أرضعتها: يا بنية، كوني من لقاء الله عز وجل على حَذَرٍ ورجاء، فإني رأيتُ الراجي له محقوقاً بحسن الزلفى لديه يوم يلقاه، ورأيت الخائف له مؤملاً للأمان يوم يقوم الناس لرب العالمين.

وفي تحذيرها من الدنيا وعدم الغرور والركون إليها تقول: صحبت الدنيا سبعين سنة، فما رأيت فيها قرة عين قط.

- عِبَادَتُهَا وَصَلَاتُهَا

كانت معاذة قد وهبت نفسها للعبادة والصلاة، فلا تكاد تخلو إلى نفسها إلا وهي على موعد مع الصلاة، فقد كانت تحيي الليل كله بالصلاة والذكر والتسبيح، وكانت تصلي في كل يوم وليلة 600 ركعة، وتقرأ من القرآن كل ليلة، فإذا جاء النهار قالت: هذا يومي الذي أموت فيه، فما تنام، فإذا جاء الليل قالت: هذه ليلتي التي أموت فيها، فلا تنام حتى تصبح؛ فإذا غلبها النوم، قامت فجالت في الدار تعاتب نفسها، ثم لا تزال تدور إلى الصباح تخاف الموت على غفلة ونوم.

وكان إذا هجم الشتاء ببرودته على الناس، تعمد معاذة إلى لبس الثياب الرقاق حتى يمنعها البرد من النوم ، ولا تتكاسل عن العبادة والمناجاة، وكان إلى جانبها زوجها يجتهد في عبادته أيضاً حتى ضرب المثل بهما، قال أبو السوار العدوي : بنو عدي أشد أهل هذه البلدة - البصرة - اجتهاداً، هذا أبو الصهباء لا ينام ليله ولا يفطر نهاره، وهذه امرأته معاذة ابنة عبد الله لم ترفع رأسها إلى السماء أربعين عاماً.

وكانت معاذة مع عبادتها ونسكها، فقيهة عالمة، قال عنها يحيى بن معين: معاذة ثقة حجة، وذكرها ابن حبان في الثقات وأثنى عليها، أضف إلى ذلك أن حديثها مروي في الكتب الستة محتج به.

- صَبْرُهَا وَشُكْرُهَا اللَّهِ :

في سنة 62 من الهجرة، استشهد زوج معاذة وابنها في سجستان في قتال الترك، ولما وصلها الخبر، لم تلطم وجها، ولم تمزق ثوباً، وإنما صبرت واسترجعت، واجتمع النساء عندها للتعزية، ولكن قالت مرحباً بكن، إن كنتن جئتن للهناء، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.

وعجب النسوة من صبر معاذة، وخرجن وهن يتحدثن عما آتاها الله عز وجل من حُسن الصبر، وزادها ذلك الموقف في أعينهن مكانة ورفعة، فأكرم بها وبموقفها!.

وحدثت أم الأسود بنت زيد العدوية - وكانت معاذة قد أرضعتها - فقالت: قالت لي معاذة لما قتل أبو الصهباء وقتل ولدها: والله يا بنية ما محبتي للبقاء في الدنيا للذيذ عيش، ولا لروح نسيم، ولكن والله ما أحب البقاء إلا لأتقرب إلى ربي عز وجل بالوسائل، لعله يجمع بيني وبين أبي الصهباء وابنه في الجنة.

وطبقت معاذة هذا القول عملياً، فلم تكن تمر عليها ليلة إلا وهي تدعو ربها خوفاً وطمعاً ترجو لقاءه وتأمل رحمته، ومنذ أن استشهد زوجها لم تتوسد فراشاً حتى ماتت، خيفة أن تشعر بلين الفراش فتنسى ما عاهدت الله عليه من حسن الرجاء .

- كَرَامَةً بَاهِرَةً المَعَاذَةَ

في كتابه، تهذيب التهذيب، أورد ابن حجر - رحمه الله - كرامة باهرة المعادة - رحمها الله، تشير إلى مكانتها في عالم العبادة، فذكر أن رجلاً من أهل البصرة قال: اللهم إن كنت تعلم أن عائشة - أم المؤمنين - حدثتني أن النبي نهى عن نبيذ الجر فاكفنيه بما شئت، قال : فانكفاً القدح وأهريق ما فيه، وأذهب الله تعالى ما كان بها.

- وَفَاتُهَا

عاشت معاذة بعد وفاة زوجها أكثر من 20 سنة، وهي في كل يوم يمر عليها تستعد للقاء الله عز وجل، وتأمل أن يجمعها بزوجها وابنه في رحمته، وقد روي أن معاذة لما حضرها الموت بكت ثم ضحكت فقيل لها: لم البكاء، ولم الضحك؟ !

قالت: أما البكاء الذي رأيتم فإني ذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر فكان البكاء لذلك، وأما التبسم والضحك فإنّي نظرت إلى أبي الصهباء قد أقبل في صحن الدار، وعليه حلتان خضراوان وهو في نفرٍ، والله ما رأيتُ لهم في الدنيا شبهاً، فضحكت إليه، ولا أراني بعد ذلك أدرك فرضاً، فكان ذلك، وتوفيت قبل أن يدخل وقت الصلاة.
أقرأ ايضا:


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك