تساؤلات مهمة عن مصر الثورة والديمقراطية - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 3:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تساؤلات مهمة عن مصر الثورة والديمقراطية

نشر فى : الجمعة 31 يوليه 2009 - 8:45 م | آخر تحديث : الجمعة 31 يوليه 2009 - 8:46 م

 كل الشكر للقراء الكرام الذين يثيرون النقاش بتعليقاتهم سواء فى باب إسهامات القراء أو عبر موقع الشروق الإلكترونى، وقد حملنى هؤلاء أمانة الرد على بعض ما تفضلوا به من تساؤلات. ولنبدأ بقاعدة إسلامية عظيمة قررها الإمام النووى حين تحدث عن آداب العالم والمتعلم بقوله: «يستوى عندى أن يخرج الحق على لسانى أو لسان مناظرى»، أى لسان من يناظرنى. ويدعمها قول الفيلسوف الأمريكى رالف إيمرسون: «إن كل إنسان فى الكون أفضل منى فى شىء واحد على الأقل، ومن ثم يمكن أن أكون تلميذا لكل إنسان فى الكون فى شىء واحد على الأقل». وباستحضار هذا المنطق، يمكن مناقشة بعض التعليقات على مقال الأسبوع الماضى. تفضل أحد القراء الكرام بالتساؤل: «هل الجهل والأمية يسمحان لأى دولة بالديمقراطية وهل البلاهة والفقر التى يعيشها شعبنا يمكن أن تجعله يرفض الجنيه ليغير من صوته الانتخابى؟».

وجهة نظرى المتواضعة أنه لو رجعنا لمستوى الأمية والفقر فى الدول التى تحولت ديمقراطيا سواء فى فرنسا أو الولايات المتحدة (القرن الثامن عشر) أو الهند وبوليفيا والسنغال وغانا، أو حتى مصر قبل الثورة، فسنجد أن مستوى الأمية والفقر عند هؤلاء لم يكن أفضل مما هما عليه الآن فى مصر. فالديمقراطية وإن كانت عملا جماهيريا لكن عملية التحول الديمقراطى هى عمل نخبوى بالأساس. إذن العقبة ليست فى الفقر أو الأمية وإنما فى الساسة والمرشحين الذين يستغلونهما فى شراء الأصوات ورشوة الناخبين. ولو كان من يحكمنا (والكلام موجه للرئيس مبارك شخصيا) يريد ديمقراطية حقيقية لعدل المادة 93 من الدستور والتى تجعل أغلبية نواب الحزب الوطنى بمجلس الشعب سادة قرارهم فى تحديد مدى صحة انتخاب زملائهم فى المجلس وتجعل من قرارات محكمة النقض فى صحة عملية الانتخاب والفرز مجرد تقارير للإطلاع. لو تم تعديل هذه المادة بحيث تكون محكمة النقض هى صاحبة القول الفصل فى صحة عضوية المجلس لوجد المزور والراشى، وهما بالمناسبة ملعونان فى كل الأديان السماوية، أن انفاقهما على الرشوة الانتخابية غير ذى جدوى لأنه خلال بضعة أشهر سيخرج من عضوية المجلس الذى أنفق من أجله الملايين. لكن الاستبداد يتغذى على الفساد فيتزاوجان لكنهما يظلان عاقرين حتى يجدا بيئة ملائمة من «الجهل والبلاهة» المذكورين فى السؤال، فينجبان ما نحن فيه من مأزق بلا أفق.

جاء فى سؤال آخر من قارئ كريم عن فشل أسباب ثورة يوليو فى تحقيق أهدافها ما يلى «لكن يحدونى سؤال مهم، ألا وهو: لماذا نجحت بعض الدول التى لم تُرْس الديمقراطية كأساس للحكم وتقدمت؟.. على سبيل المثال لا الحصر الصين. أعتقد والله أعلم، أنه توجد أسباب أخرى لتقدم الدول من بينها الديمقراطية، الإخلاص والانتماء، والأخذ بأسباب العلم. أرجو من سيادتكم فى المقال المقبل مناقشة أسباب نجاح بعض الدول التى لم تتخذ المنهج الديمقراطى طريقا لها، لعل وعسى حكامنا يستفيدون إذا كان بينهم وبين الديمقراطية عداء مستحكما فليقوموا باتباع تلك الأسباب».

السؤال رائع فى معناه ومبناه. لكن دعنى أوضح ابتداء أن النهضة بمعناها الشامل تتضمن حياة أفضل لقطاع أوسع من الناس فى مسارات مختلفة للنهضة فيها شق اقتصادى يرتبط بالثروة والإنتاج والتراكم الرأسمالى وآخر سياسى يرتبط بالحريات والحقوق بما فيها الحق فى اختيار من يحكم ومحاسبته، وعسكرى يرتبط بأمن الحدود وتأمين السلاح وردع الأعداء، وغير ذلك من مسارات ست للنهضة والتحضر ناقشتها مقالات سابقة. بهذا المعنى فإن الصين تقدم نموذجا فذا فى النمو الاقتصادى يليق بدولة تمثل خمس البشر لكن هذا لا يعنى أنها تشكل تجربة متكاملة فى النهضة وإنما هى من أقل دول العالم فى احترام حقوق وحريات مواطنيها. وما أحداث العنف ضد مسلمى الصين إلا مثال واضح على القمع الذى يعيشه الكثيرون من مواطنيها، كما تعرف الصين واحدا من أقل معدلات احترام حقوق العمال وواحدا من أعلى معدلات الفقر بين النساء وعمالة الأطفال، وعليه تشير الكثير من الدراسات إلى أن الصين نموذج لافت فى النمو الاقتصادى (أى زيادة الناتج القومى والتراكم الرأسمالى) ولكن ليس فى التنمية الشاملة (بمعنى توسيع الفرص والبدائل أمام أفراد المجتمع بصفة عامة). بيد أن هذا لا يمنع حقيقة أن هناك دولا بدأت بالنمو الاقتصادى المرتفع ثم انتقلت منه إلى تنمية اقتصادية جادة ثم تحولت ديمقراطيا لاحقا والمثالان الأبرز هما جارتا الصين كوريا الجنوبية وتايوان. لكن هذا أيضا لا يمنع أن هناك دولا أخرى تجمع بين مسارى التنمية والديمقراطية مثل الهند والبرازيل وإندونيسيا. أما قيم النهضة التى أشار إليها السؤال مثل العلم والتعليم والانتماء فهى مرتبطة بمصداقية الدولة ونجاحها فى خلق مشروع وطنى عام يقبل به ويُقبل عليه قطاع واسع من المواطنين، وهو ما لا يرتبط بالضرورة بالديمقراطية لكنه ليس ضدها على الإطلاق. فمصر الناصرية نجحت فى تبنى مشروع وطنى ملهم لكنه من أسف انهار لتغول الدولة وقتلها للمجتمع المدنى والأحزاب وحرية الصحافة، فأصبح الجسد السياسى غير قادر على نقد ذاته وتجديد مكوناته ومقاومة أسباب ضعفه.

هناك بعض القراء الأفاضل الذين دخلوا فى نقاش بشأن مدى أحقية أحد أن يحاكم الثورة ومعه نقد مباشر لأى شخص يمكن أن يتجرأ على شخص الرئيس عبدالناصر. والحقيقة أننى أحب الرئيس عبدالناصر جدا ربما أكثر من بعض دراويشه، لكننى أحب مصر أكثر. بل أرى يقينا أن الثورة كان ينبغى أن تقوم بالضبط لتحقيق الأهداف الستة التى أعلنتَها، وهو ما يدفعنى لأن أنتقد الثورة ورجالاتها لأنها لم تحقق معظم ما وعدتنا به من أهداف أيدناها من أجلها. والكثير مما حققته فعلا كان بتكلفة عالية للغاية تكبدتها الأجيال اللاحقة. خذ مثالا قرار مجانية التعليم الجامعى، يا له من هدف نبيل ووسيلة ساذجة، أو محاربة إسرائيل بتعبئة الجيش وإصدار الأوامر له بانتظار الضربة الأولى، أو قرار تأميم الشركات والمصانع الوطنية ثم إدارتها بطريقة غير احترافية بلا رقابة أو محاسبة؛ أو قرار إنشاء مفاعل نووى ثم التراجع عن تخصيص الموارد اللازمة له لإنتاج مواد مشعة بدرجة إخصاب عالية. كنت أتمنى أن يفعل عبدالناصر فى مصر مثلما فعل بن جوريون، على بغضى له، فى إسرائيل، أو مثلما فعل نهرو فى الهند، أو مثلما فعل «بارك هى» فى كوريا الجنوبية، أو مهاتير محمد فى ماليزيا. فقد أحب كل هؤلاء بلدانهم وناضلوا من أجلها ولكنهم ترجموا حبهم لبلدانهم فى مؤسسات حكم قوية رشيدة قادرة على أن تراقب وتحاسب بعضها البعض، وهذا هو الاختراع الذى يسمونه «الديمقراطية» والذى كانت بذوره موجودة قبل الثورة ولكننا ضحينا بها بمنطق «مستبد لكن...»

القضية ليست فى محاكمة أحد، فما حدث قد حدث، القضية فى أن نتعلم من أخطائنا وألا يتحول حبنا لأحد لأن يكون بديلا عن حبنا لوطننا واستفادتنا من أخطائنا. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات