رقابة الانتخابات وأبطال (حرب) الجزائر - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رقابة الانتخابات وأبطال (حرب) الجزائر

نشر فى : الإثنين 30 نوفمبر 2009 - 9:46 ص | آخر تحديث : الإثنين 30 نوفمبر 2009 - 9:46 ص

 تابعت باهتمام بالغ القصص الصحفية الممتازة التى نشرتها «الشروق» الأسبوع الماضى والخاصة بالرقابة الدولية على الانتخابات فى مصر، سواء الانتخابات التشريعية أو الانتخابات الرئاسية، واعترف صراحة ومن البداية أن الفكرة كلها على بعضها أصابتنى بغضب واكتئاب شديدين سواء فكرة الرقابة الدولية، أو ترحيب القوى السياسية بها، حيث رحب الجميع بالفكرة بما فيهم الحزب الوطنى. واعترف أيضا أن غضبى لم يتبدد حينما علمت أن الرقابة ستكون بعيدة عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وأن المقترح أن تكون الرقابة من جهات وشخصيات من دول العالم الثالث، لأن المشكلة لم تكن عندى من الذى سيراقب انتخابات بلدى، بقدر ما كان السؤال الأهم: لماذا يأتى أجنبى ويفرض درجة من الوصاية على شأن داخلى.

طبعا هناك حقيقة لا أنكرها ولا ينكرها أى من تسنى له فى يوم من الأيام متابعة أى صنف من صنوف الانتخابات فى مصر وهى أن الانتخابات مزورة تزويرا كاملا وعلى أكثر من صعيد، سواء الصعيد الشعبى الذى يشارك فى عمليات التزوير فى مقابل مصالح صغيرة تبدأ من الجنيهات العشرة ولا تتوقف عند الغسالة والثلاجة ووظيفة للأبناء، وتمتد لما أهم وأكبر وأفسد، أو المشاركة فى التزوير بدواعى العشائرية والقبلية ونفوذ العائلات، وهناك أيضا تزوير على مستوى الداخلية (الشرطة) والتى هى الجهة المسئولة عن إجراء وإعلان نتيجة الانتخابات، وتدخلات أجهزة الشرطة لا تحتاج إلى شرح أو دليل، خاصة أنها تمتلك، إلى جانب كل قواتها وعتادها وسلاحها، سلاحا آخر جبارا لا تريد الدولة أن تنزعه منها وهو سلاح قانون الطوارئ الذى تظهر مخالبه وأنيابه أثناء عمليات الانتخابات، أما الصعيد الأخطر فى عمليات التزوير ولا أحب أن أتحدث عنه فهو الصعيد القضائى، فأولا لا يليق أن يتزاوج التزوير بالقضاء، وثانيا لأن إشراف القضاة على الانتخابات أمر ولى ولم تعد هذه الضمانة على قائمة شرف ونزاهة الانتخابات.

وهذه الحقيقة تقابلها حقيقة أخرى، هى أن كافة الدول التى تعرضت لتجربة الرقابة الدولية على انتخاباتها هى دول ناشئة أقرب إلى جمهوريات الموز، سواء دولا حازت على استقلالها قريبا، أو دولا كانت تعانى من حروب أهلية مزمنة، أو بصيغة أخرى هى دول لم تكمل نضوجها، ولم تكتمل لديها أدوات الدولة الحديثة، وبوضوح شديد ولهذا السبب خاصة أرفض أن تكون مصر مثل هذه الدول أو أن تكون جمهورية موز يأتى من يراقب انتخاباتها.

مصر خاضت العشرات من الانتخابات النزيهة، قبل يوليو 1952، ويكفى أن نشير إلى أن مرتين فقط تم فيهما تزوير الانتخابات، مرة فى عهد إسماعيل صدقى 1934 على ما أذكر، وأخرى فى عهد محمد محمود، وكلاهما نال من الشعب المصرى شديد الكراهية ولاحقتهما اللعنات حتى الممات، وهذان الاستثناءان وهذه الكراهية تكشف أن مصر ما قبل 1952 كانت قادرة على إجراء الانتخابات من دون أى ضمانات، سوى الضمانة الشعبية ونزاهة من كان يتولى الحكم. وعلى العكس، فلم تعرف النزاهة طريقها بعد 1952 إلا فى انتخابات وحيدة عام 1976 كان بطلها ممدوح سالم وزير الداخلية، وهناك من يتحدث أيضا عن انتخابات 1979، وما دونهما التزوير يطغى على العمليات الانتخابية والاستفتاءات الشعبية وحتى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، على الأقل تزوير عدد الذين شاركوا فى التصويت.

وما بين حقيقة التزوير وحقيقة مكانة مصر وخبراتها فى الحياة الديمقراطية، قبل 1952، بات من المؤلم بعد ما يقرب من مائة عام شهدت فيها البلاد وهى تحت الاحتلال انتخابات نزيهة، أن نطالب برقابة دولية، أو نطلب وجودا أجنبيا يضمن حيدة الانتخابات وحياد نتائجها، وكأننا نعلن صراحة أننا لم نبلغ سن الرشد السياسى والديمقراطى بعد.

أعرف جيدا، أن الذين يدعون ويرحبون بالمراقبة الدولية شرفاء ووطنيون ويتمنون لهذا البلد كل الخير، وأعرف أيضا أنهم يفعلون ذلك بعدما بلغ بهم اليأس مداه، وأنا أفهم وأتفهم جيدا مواقفهم ومطالبهم، بل أحلم مثلهم بتحقيق الشفافية ليس فقط فى الانتخابات، ولكن فى كافة أمور السياسة والحكم فى البلاد، وأفهم أيضا ضرورة أن يكون لدينا برلمان مكون عبر إرادة حرة شعبية، وضرورة أن يكون هناك رئيس جاء عبر دستور يسير يسمح للجميع بالمشاركة على شرف الفوز بهذا المنصب الرفيع، بينما أرى فى وجود المراقب الأجنبى انتقاصا من كل هذه القيم.

والأهم فيما أريد أن أقوله، هو ضرورة وأد كافة أشكال التزوير والعمل، ولو بالقوة على منعها، وكشفها، ثم عدم الموافقة على النتائج إذا ما شابتها شائبة، أدعو الشباب الذى حمل أعلام مصر أثناء الأزمة مع الجزائر، وراقب المواقع الإلكترونية، أن يحمل نفس الأعلام ويحمى الصناديق من التزوير وعبث العابثين، وأن يكشف ذلك أولا بأول، وهنا أنا لا أغضب من نشر مثل هذه الوقائع فى الصحافة العالمية لأنها وقائع ضد نظام مصمم على الفساد مُصر على الطغيان ويعتقد فى التزوير عقيدة راسخة. أدعو هؤلاء الشباب الذين توجهوا لسفارة الجزائر مطالبين بحرقها، أن يذهبوا إلى مقار الانتخابات ويحموها من التزوير ويحرقوا كل يد تحاول أن تمتد بالباطل لصناديق الديمقراطية، أطالب هؤلاء الشباب برفع الأعلام والذهاب إلى لجان الفرز ومراقبة ما يحدث ليكون خير شاهد على عدم التزوير أو دليل إدانة هذا النظام، كما أدعو السيد نقيب المحامين والسادة أعضاء مجلسه، الذين أحرقوا علم الجزائر، أن يدعوا أعضاء نقابتهم على امتداد مصر ليكونوا محامين عن الذين ستزور أصواتهم ومحامين للدفاع عن حق هذا الشعب فى اختيار من يمثله، ويذهبون لتحرير محاضر التزوير بطول البلاد وعرضها.

كما أدعو السادة الفنانين الذين سارعوا بمقاطعة كل ما هو جزائرى عقب أحداث الخرطوم، أن يقاطعوا الدولة لو قررت تزوير الانتخابات، وأن يقوم هؤلاء الفنانون بدعوة الجماهير التى تحبهم إلى الذهاب إلى الصناديق والدفاع عنها.

وحينما أكون ضد الرقابة الدولية على الانتخابات، فإننى أكون ضد فساد الحزب الوطنى ودعوته للتزوير لذا أدعو هذا الحزب ليعلن من الآن أن شعار انتخابات 2010 «انتخابات نزيهة بلا تزوير وليفز بها من يفوز» لأن النتيجة ستكون فى صالح البلاد (حتى ولو فاز الإخوان بمقاعد أكثر) وإذا كان من حق الحزب كما قال أمين تنظيمه أحمد عز أن يكون يدا واحدة، فمن حقنا على الحزب وعلى عز أن تكون الانتخابات نزيهة.

الحكومة تستطيع، بكل سهولة، أن تعلن أنها ستقدم انتخابات نزيهة، وتعطى لنا الضمانات حتى تتوقف دعاوى المطالبة بالرقابة الدولية.. وسواء كانت حكومة نظيف أو غيره، فإن التاريخ ينتظر اسما ليسجله فى قائمة الشرفاء فى القرن الجديد، ليتذكر نظيف أو غيره ما حدث لصدقى أو لمحمد محمود.. فهذه المرة لن يسامح أحد ولن يغفر أحد.. واللعنات تنتظر الجميع.

نعم لا أرحب بالرقابة الدولية، بل أدعو لرقابة شعبية يكون بطلها هؤلاء الشباب الذين رفعوا الأعلام وأرادوا تحطيم السفارة.. أو المحامون الذين أحرقوا العلم أو الفنانون الذين بكوا مما حدث فى الخرطوم.. فياليت الأعلام والغضب والبكاء تكون من أجل انتخابات حرة نظيفة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات