وماذا بعد؟! - سمير العيطة - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 4:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وماذا بعد؟!

نشر فى : الأحد 30 أبريل 2023 - 7:10 م | آخر تحديث : الأحد 30 أبريل 2023 - 7:10 م
لا يختلف اثنان حول فوائد إعادة العلاقات بين بعض الدول العربيّة، وخاصّة العربيّة السعوديّة، مع الدولة السوريّة. لكنّ الفائدة الكبرى تتمثّل فى التساؤلات التى أطلقها الشعب السورى حول مستقبله. ما الذى يريده هو؟ وما الذى تريده له اللعبة الإقليمية واللعبة الأمميّة؟

بالتأكيد أيضا تُشكّل الدول التى تدخّلت فى الصراع السورى جزءا من المشكلة، وهى بالتالى جزءٌ من الحلّ. بما فيها تلك الدول التى لها قواعد ومقاتلون فى البلاد. سواء روسيا والولايات المتحدة (وعبرها بعض القوى الأوروبيّة)، أو إيران وتركيا. وكذلك أيضا الدول التى تتواجد بشكلٍ غير مباشر عبر المال، أكان إغاثةً أو تسليحا لفصائل سوريّة، أو عبر الإعلام، من خلال القنوات الفضائيّة و«المنصّات» السياسيّة السوريّة، أو عبر تفجير التناقضات، قطر وفرنسا وبريطانيا وألمانيا... وإسرائيل.

إلاّ أنّ أغلب الدول الإقليميّة لها مصلحة مباشرة فى الوصول إلى «تسوية» فى سوريا، ضمن إطار مسار إعادة ترتيب أوضاعها بما هو أبعد من سوريا ذاتها.
• • •

هكذا يحتلّ ملفّ اللاجئات واللاجئين أولويّة بين ملفّات حملة الانتخابات التركيّة، وجميع المتنافسين الجدّيين يعِدون بحلٍّ يُنهى تواجد أربعة ملايين لاجئة ولاجئ سورى على أراضى بلادهم، خاصّةً بعد كارثة الزلزال. كما يزيد اللاجئات واللاجئون السوريّون «الطين بلّة» فى تداعيات الانهيار المالى اللبنانى، لا حقّ اقتصاديّا بل أساسا فى تشنّج «أمراء الحرب» حول ما سيأخذون إليه بلدهم. كما يُثقِل اللاجئات واللاجئون على كاهل الأردن الذى يعيش أصلا على المساعدات الخارجيّة. بالتالى، لا بدّ اليوم من وضع أسسٍ لـ«تسوية» بغية عودة كبيرة لهؤلاء اللاجئين واللاجئات بعد 12 سنة من اللجوء، وإلاّ تسير الأمور نحو استقرارهم نهائيّا فى بلدان لجوئهم كسكّانٍ من درجة ثانية وذوى حقوق متدنيّة ويخضعون للاستغلال اقتصاديّا واجتماعيّا.

سوريا مقسَّمة أيضا إلى مناطق نفوذ. وهذا التقسيم يتطوّر كى يُصبِح مستداما. هذا فى حين تختلِف مصالح الدول كثيرا حول ضرورة إعادة توحيد الأرض السوريّة، مهما كانت الخطابات الرسميّة. فهناك القواعد العسكريّة المتنافسة، وهناك سبل الاستفادة من صعود تيّارات شديدة التناقض بين السوريين لفرض النفوذ على المدى الطويل. والأمثلة على هكذا مسار تشهد به يوغسلافيا السابقة كما ليبيا والسودان واليوم.

كذلك أضحت سوريا بلدا يعيش، من جرّاء الصراع والعقوبات والتدخّلات، على الإعانات وعلى تحويلات المغتربين أساسا.. كما على اقتصادات ذات طابع إجرامى، وليس أقلّها شأنا المخدّرات كنتيجةٍ طبيعيّة. وواقع شيوع المخدّرات بدأ يُزعِج، بسبب حجمها، بعض دول الجوار. ولا سبيل لتقليصه سوى عودة... الدولة القادرة فى سوريا وتخليّها عن لعب الدور «المارق».
• • •

لقد تغيّر المشهد الإقليمى لأسبابٍ لا تتعلّق بسوريا. وبات «الاستعصاء» السورى يشكّل عائقا يفرِض إقليميّا التعامل معه وإن كان على المدى المتوسِّط وليس الآنيّ. وربّما الأمر صعبٌ لأنّ كلّا من اللاعبين يريد «عائدا» على استثماره. مع التساؤل حول إمكانيّة تذليل هذا العائق فى ظلّ «لعبة الأمم الكبرى» القائمة عسكريّا الآن فى أوكرانيا واستفزازا فى المحيط الهادئ.

إنّ تغيّرَ المشهد الإقليمى أنتجَ تفاعلات كبرى ضمن الشعب السورى، بعد سنين من الانغلاق على الخطابات النمطيّة من الأطراف المتنافرة من جرّاء القمع والصراع والتقسيم. تفاعلات مشوبة بالقلق والأمل معا فى آنٍ واحد.

وبالطبع يسود القلق كل من يعتاش على «الاستعصاء» القائم من خلال طرفٍ إقليمى أو دولى يسانده، أنّ هذا الطرف سيدفعه للانخراط فى «التسوية» تبعا للتحوّلات الإقليميّة. وهذا ينطبق على السلطة القائمة فى دمشق، كما على «الإدارة الذاتية» أو «حكومة الإنقاذ»... وعلى كلّ الفصائل المسلّحة. والخطاب الإعلامى الحالى لهذه الأطراف يفسّر ذلك.

كما يسود القلق اللاجئات واللاجئين السوريين فى بلدان الجوار، الذين قد يتمّ دفعهم قسرا للعودة إلى بلادهم، دون تغيّرٍ فى السياسات والأوضاع. هذا فى حين يسود القلق بالمقابل لدى السلطة القائمة فى سوريا لأنّها لا تستطيع استيعاب عودة كبيرة لهم. وهذا جزءٌ من التفاوض القائم.
• • •

فى مثل هذا السياق برز أملٌ لدى كثيرٍ من السوريين والسوريات بأنّ الفقر والعوز الذى يعيشون فيه، فى جميع المناطق السوريّة، يُمكِن أن يزول ولو تدريجيّا لأنّ حلاًّ ما آتٍ. كما برز أملٌ عند النازحين والنازحات فى الداخل بنهاية ذلّ توزيع المساعدات وتسلّط «الموزّعين» عليهم، أيضا فى كلّ المناطق.

لقد تجسّد الأمل أيضا مع إزالة حواجز مدينة دمشق أمام وزير الخارجيّة السعودى، وأبعد من ذلك أنّ تزال الحواجز فى جميع أنحاء سوريا وبين مناطقها. وبالتالى ظهرت دعوات للتخلّى عن «خطابات الكراهية والاصطفاف» بين الشعب السورى التى تنامت مع «الاستعصاء» وبات الانفتاح على جميع الأطراف ضروريّا. دعواتٌ نادرة وخافتة ولكن كبيرة المغزى.

ويبقى تجسيد هذا الأمل إلى مشروعٍ على صعيد الدولة فى سوريا والشعب مطلوبا. الدولة كمؤسّسة أوّلا. فهى فى النهاية المسئولة عن الشعب السورى وعن مصيره. وهى تعرف أنّ «البهرجة» الإعلاميّة حول التطبيع مع رأس «السلطة»، هى فى الواقع عودة للعلاقات معها كمؤسسة، وأنّ «البهرجة» ستتضاءل مفاعيلها تدريجيّا أمام تحديات استحقاقات سوريا وشعبها. ما يعنى أنّ على السلطة أن تتغيّر... وتتخطّى منطق الصراع. وأن تغيّر سلوكها تجاه المواطنين والمواطنات فى مناطق سيطرتها كما فى المناطق الأخرى. وأنّ تغيّر سلوكها تجاه الفعاليّات الاجتماعيّة والاقتصادية عبر فرض دولة قانون تكبح تسلّط «أمراء الحرب» والفصائل المسلّحة على أنواعها وأجهزة الأمن. ويبقى العنصر الأهمّ فى هذا الصدد هو ضمان حريّة الرأى، لأنه لا يُمكن أن يستوى أى تغيّر فى سلوك الدولة دون المحاسبة على النهج والأداء. فهل العلاقة القائمة بين السلطة والدولة يُمكن أن تأخذ إلى مثل هذا التغيير؟

ومشروع منفتح على الصعيد الشعبى أيضا. بحيث يتخطى هو أيضا منطق الصراع، والمظالم والأطماع. فما الذى يُبرّر أن تدمّر سوريا كما دمّرت اليوم؟ وما الذى يبرر استمرار جوع وعوز السوريّين والسوريّات؟ هذا التخطى ليس سهلا لأن الصراع أسس لمظالم مؤلمة وأنبت مظالم قديمة حقيقية أو متخيّلة. وليس التخطى سهلا أيضا لأن أطماع المستفيدين من الصراع ثم من الاستعصاء غدت كبيرة لا ضابط لها. فهل من ذاكرة جمعية لسوريا لدى جميع بناتها وأبنائها لبعث الانفتاح، خاصّة لدى الجيل الجديد الذى لم يعرِف سوريا ما قبل الصراع؟! وبقوّة نقول لا لإعادة إحياء القديم بل لصنع مستقبل يتخطى مآسى الصراع و«الاستعصاء».
سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات