بين ثورتين - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين ثورتين

نشر فى : السبت 30 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 30 مارس 2013 - 8:00 ص

عاشت مصر ٦٠ عاما بين ثورة يوليو ١٩٥٢ وثورة يناير ٢٠١١، عاشت سنوات صححت فيها بعض الأوضاع الجائرة التى كانت سائدة ما قبل ١٩٥٢، ثم خُلقت بعد ذلك أوضاع جائرة جديدة، فعاشت مصر سنوات صعبة بالفعل، لكننا لن نستطيع أن ننكر أن هذه السنوات شهدت طفرات اقتصادية لا بأس بها خاصة فى مجال التصنيع، حيث بنت مصر الناصرية مصانع فى خمس سنوات، ظلت مصر مبارك تبيع فيها منذ عام ١٩٩٢ وحتى الآن، أى ما يقرب من عشرين عاما، ومع ذلك يبقى عوار هذه السنوات، جليا فى كبت الحريات وقمع الآراء، ومنع المشاركة السياسية، وإقصاء من يعتقد النظام أنه يعاديه، وكلها أمور أدت فى نهاية المطاف، إلى الذهاب بالبلاد إلى سلطة مستبدة، لا تعمل من أجل الصالح العام، بل من أجل مصالح فئات بعينها، حتى لو جاءت هذه المصالح على حساب المصلحة الوطنية المصرية.

 

أما بعد ثورة يناير، فإن مصر تعيش مأزقا من نوع خاص، مأزقا على المستوى الداخلى وآخر على المستوى الخارجى، فعلى المستوى الداخلى، أصبحنا جميعا نعرف بالضبط طبيعة الصراع وحقيقته، وهو صراع يتميز بإيجابية وحيدة، وهى أن كل الأطراف تهدف فى النهاية إلى تحقيق مطالب الثورة، حتى لو تباينت وجهات النظر، أو تطرفت احيانا، فهى تفكر فى الطريق نحو نجاح الثورة، وكل فريق يعتقد أن ما يراه هو الصواب فى الوصول إلى هذه الأهداف، لذا يبدو غريبا بعض الشىء التناحر الذى يأتى على موجات متعاقبة، تصل أحيانا إلى درجة العنف، المهم أن جميع الأطراف ترغب، حقيقة فى نجاح الثورة، وهذا ما لا نعتقده على المستوى الخارجى، حيث تختلف كليا نظرة الخارج إلى هذه الثورة، وهذا ما نخافه ونخشاه، وللأسف الشديد لا نلتفت له بشكل جدى.

 

فمنذ اللحظات الأولى لانطلاق ثورة يناير، ومواقف العالم الخارجى، تبدو غير واضحة، فهى لا تدعم الثورة، وايضا لا تعوقها، وغالبا هذا هو الموقف الذى تريده القوى الفاعلة على الساحة الدولية، فيقينا هم يعلمون أن نجاح الثورة، سيغير من موقف مصر تجاه العديد من القضايا التى بالضرورة تتشابك مع المصالح الدولية، وفى الأغلب الأعم ستكون معارضة لهذه المصالح، خاصة تجاه الصراع العربى الإسرائيلى، الذى يمثل الهم الأكبر للأمن القومى المصرى، إلى جانب أن قيادة مصر للعالم العربى والإسلامى، وربما الإفريقى، اذا خطت الثورة خطوات ناجحة ومتسارعة فى سياستها الخارجية، تجعل هذه العوالم الثلاثة مختلفة بشكل جذرى، تجاه القضايا الكونية، وهو بالطبع ما لا يرغبه الغرب، على الأقل فى هذه المرحلة، التى تبدو أن العالم يعاد تقسيمه من جديد. (هذه هى الخطوات التى فعلتها الثورة الأولى وانزعج منها المجتمع الدولى وقتها).

 

فى المقابل، فان فشل الثورة المصرية، لن يقود مصر فقط إلى المجهول، بل سيقود المنطقة كلها إلى ذلك، وهذا أيضا لا يمكن أن يتحمله العالم الأن فى ظل الاضطراب الدولى، لذا تعمل جميع القوى الدولية والإقليمية، والتى هى بالضرورة تابعة بشكل أو بآخر للقوى الدولية، على تثبيت الحالة المصرية، لا نجاح لثورتها، وايضا حمايتها من الفشل، وربما يكون مناسبا لمن يعمل على ذلك، أما نحن فلا سبيل لنا إلا الإصرار على نجاح الثورة وتحقيق أهدافها، فهذا لن يحسن الوضع الداخلى فقط، لكنه يستطيع أيضا اعادة مكانة مصر على الخريطتين الإقليمية والدولية، وهى ليست مجرد مكانة شرفية ذات مكاسب معنوية، لكنها حالة سياسية نموذجية تستطيع معها مصر تحقيق نهضتها الاقتصادية، والتخلص من عالم الفقراء، والتحول نحو مجتمع الرفاهية الذى كان يبدو مطلبا ظاهرا فى الخلفية من لوحة ثورة يناير.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات