رسول الحكايات - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 12:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسول الحكايات

نشر فى : السبت 29 مايو 2010 - 9:40 ص | آخر تحديث : السبت 29 مايو 2010 - 9:40 ص

 صباح أمس هبط الحزن على مصر عندما رحل أسامة أنور عكاشة.ولأنه ـ أى أسامة أنور عكاشة ـ كان أقوى من الحزن وأشجع من الاستسلام له فسأفعل مثله وأدع الحزن جانبا كاسيا جنبات الروح تاركا المجال لكلمات يجب أن تقال عن رجل مصر وعقلها الوطنى وفنها الإنسانى وإبداعها الفذ.

أسامة أنور عكاشة لم يكن مجرد كاتب تليفزيونى كبير أو أديب قدير أو مفكر مبدع أو فنان خلاق، بل كان كل ذلك وأكثر.. كان أحد أهم أبواب فهم مصر والمصريين.. فهم الوطن والمواطن.. لم يكن مثل«الجبرتى» منتبها فقط لما يحدث من حوله.. بل منبها من حوله بما يحدث شارحا موضحا ناصحا مخلصا.. عميقا فى كل فكرة يطرحها.. صادقا فى كل حكاية يحكيها.. أمينا فى كل رواية يكتشفها من جنبات تاريخ وطنه.

أسامة أنور عكاشة «المولود فى دلتا مصر (طنطا) شمال البلاد وابن محافظة كفر الشيخ قبل الثورة بسنوات إحدى عشرة». لم يكن سجينا لعالم القرية، ولم يكن أسيرا لإغواء المدينة.. ولم يكن عبدا لكتابة براقة أو خادما لموهبة جبارة.. بل كان رسول الحكايات عن الفلاحين والعمال والبسطاء.. كاشفا همومهم مبشرا بالخير لهم.. لم يكن ظالما للأغنياء، بل مكتشفا لثرائهم الوطنى قبل ثراء خزائنهم.. لم يكن أسامة تقليديا وهو يحدثنا عن الخير والشر.. عن الغنى والفقير.. لم يكن محترفا للكتابة.. ولا هاويا للفن..

بل كان الباب الواسع لفهم ما لم نفهمه عن بلادنا وتاريخ بلادنا.. عن الثورة وما قبلها.. عن الانفتاح وما بعده «ليالى الحلمية».. عن القومية العربية وثقافة البحر الأبيض المتوسط «أرابيسك» عن قوة المصرى الأصيل وحيويته «الشهد والدموع» عن الخوف من جبروت المدن «على أبواب المدينة» عن الصانع صاحب الحق الضائع «بوابة الحلوانى» عن المصرى النموذجى الذى لا يكل عن إصلاح ما فسد «أبو العلا البشرى».. وعن.. وعن.. وعن.. عن كل ما يعنى المواطن.. وكل ما يجب أن يعتنى به الوطن.

أسامة.. وها قد رحل الرجل، لم يكن المؤلف الذى يبحث عن الشهرة ولا الأديب الباحث عن المجد.. ولا المفكر المتقدم الصفوف.. أسامة كان جزءا نبيلا من عقل مصر.. حكى لنا ما استعصى علينا.. حكى لنا ما كن يجب أن يُحكى إلينا.. ولم يعد لدينا إلا أن نحكى عنه، بعد أن نرفع الحزن عن عقولنا وأرواحنا.

أسامة من غرفة مكتبه، ضائقة الجدران، واسعة البهجة والمعرفة فى الجيزة.. إلى مكتبه الهادئ فى نهايات حى الهرم التاريخى.. وبينهما مقاعد على مقاهٍ متفرقة بين القاهرة والاسكندرية.. عشقه الجنونى.. مع الأقلام الملونة التى كان يكتب بها.. وصوت هدير البحر.. وصورة عبدالناصر.. وصوت أم كلثوم.. وأوقات ارتفعت فيها آهات إعجاب إبراهيم عيسى.. تصفيق محمود الكردوسى الصامت.. عرفت أسامة أنور عكاشة ثلاثين عاما كاملة..عرفت وتأكدت أن مصر بها رجال هم سادتها وحضارتها.

أسامة أنور عكاشة.. رحل وستبقى حكايات أسامة أنور عكاشة دليلا على أن هذا الشعب لن يموت أبدا.
شكرا يا رسول الحكايات.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات