مصر أكبر من هذا المقعد - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 11:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر أكبر من هذا المقعد

نشر فى : الأحد 29 مارس 2009 - 6:15 م | آخر تحديث : الإثنين 30 مارس 2009 - 2:49 م

 أعرف جيدا أهمية أن يكون هناك مصرى مديرا لليونسكو، وأعرف جيدا أيضا أهمية أن تكون للدولة أذرع على أى امتداد داخل المنظمات العالمية والدولية، لكننى أعرف أيضا أن هناك حدودا لثمن هذا الوجود ومحدودية للتكلفة السياسية لشغل مثل هذه النوعية من المناصب، لأنها ليست نهاية العالم، ولا هى قشة يحتاجها وطن غريق، ولا هى سبيل للخلاص من أى أزمة، ولن تضيف الكثير للبلد الذى ينتمى إليه مدير تلك المنظمة أو رئيس هذه الهيئة، وأعتقد أن لنا فى تولى الدكتور بطرس غالى منصب السكرتير العام للأمم المتحدة، أسوة حسنة ودرسا مفيدا، فلا مصر اضطرت لما لا يجب أن تضطر إليه ولا الرجل «بطرس غالى» قدم أى تنازلات، بل وصل إلى ما وصل إليه بتاريخه السياسى وعلاقاته الدبلوماسية إلى جانب مكانة مصر، وأيضا لم تستفد مصر من وجوده فى هذا المنصب، بل على العكس تحملت بعض المواقف بسبب وجود مصرى فى هذا المنصب، والعالم أيضا لم يتحمل وجود هذا الرجل، فكان الوحيد من بين كل الذين شغلوا هذا المنصب الذى أمضى فترة واحدة فقط.

ما ينطبق على غالى، ينطبق على الدكتور محمد البرادعى ووكالة الطاقة النووية، فالرجل وصل إلى المنصب بكل سلاسة لإمكاناته وقدراته القانونية والسياسية، ولم تكن هناك أى تكاليف سددتها مصر للحصول على هذا المنصب، بل أيضا كانت الأسئلة والملاحظات، لماذا تفعل وكالة الطاقة الذرية كذا وكذا.. تجاه بعض الدول العربية والإسلامية ويرأسها مصرى مسلم؟!

ومكانة مصر لا تزيد ولا تنقص، ولا تفيد ولا تستفيد، من وجود بعض أبنائها كموظفين دوليين أو حتى على رأس هيئات وجهات دولية.. بل تفوز مصر وتربح كثيرا بحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، أو احتفاء أكبر مهرجان سينمائى عالمى مثل مهرجان «كان» بيوسف شاهين، وطبعا نوبل أحمد زويل، وجوائز ومكانة فاروق الباز.. واهتمام العالم بأعمال علاء الأسوانى، أو فوز أديبنا الكبير بهاء طاهر بالبوكر العربية ومن بعده عزازيل يوسف زيدان، أو حصول المصريين على معظم جوائز أبوظبى الثقافية، وغيرها من الجوائز الكبرى سواء على المستوى الدولى أو الإقليمى «مثل جائزة الدكتور مصطفى السيد بشأن علاج السرطان». إلى جانب ترجمة الكثير والكثير من أعمال هؤلاء إلى العديد من لغات العالم.. هنا تكبر مصر وتحتل مساحة أكبر وتشغل مكانتها عقل العالم الثقافى وتؤثر فيه.. وتربح من كل ذلك.

ولا أبالغ إذا قلت إننى أتابع بشغف ترشيح فيلم ليسرى نصر الله أو لمروان حامد لمسابقة مهرجان «كان» فى دورته المقبلة كما كنت أتابع بشغف نتيجة البوكر العربية، أكثر من متابعتى لمعركة السيد فاروق حسنى للفوز بمنصب مدير هذه المنظمة الدولية.

مصر غير مضطرة للقيام بأشياء لا ينبغى أن تقوم بها من أجل الوصول إلى اليونسكو، مصر غير ملزمة بالدخول فى تحالفات ليست هى تحالفاتها من أجل هذا المنصب، والأهم أن مصر «أعتقد حكومة وشعبا» كانت غير مطالبة أبدا بالمشاركة فى البكاء على ضحايا الهولوكست دوليا، إذا كان البكاء ضرورة قبل أن تعرف البكاء جيدا وبصوت عال وفى أربعة أنحاء الدنيا رسميا وشعبيا على ما حدث من مذابح ومحارق فى غزة وما حدث للأشقاء الفلسطينيين بل ما حدث لأبناء مصر الذين كانوا ضحايا لهذا العدوان السافر السافل، لا أعرف لماذا تسدد مصر هذا الثمن الآن لحادثة وقعت منذ عشرات السنين، أعتقد أن الصفقة تكون رابحة لو فعلنا هذا مع الحدث الطازج والضحايا الذين لم تخفت آهات ذويهم ولم تصمت آهات جرحاهم.. فالدماء ما زالت ساخنة هناك فى الجوار.. على الحدود حيث يبدأ مشوار الأمن القومى المصرى.

كنت أعتقد، على الأقل، أن تضع مصر بالذات ما يحدث فى فلسطين إلى جوار ما حدث فى محارق أوروبا.. حتى يعرف العالم من نحن وما هى مواقفنا.. على الأقل أن تقول مصر للعالم إنه عندما كانوا يحرقون اليهود فى أفران الغاز.. كان اليهود فى مصر آمنين يعملون.. وأصحاب مصانع وشركات.. بل وزراء «وزير مالية فى عشرينيات القرن الماضى». كانت لهم معابدهم «قائمة حتى اليوم».. كانوا أبطال الأفلام، كانوا جزءا مكرما من هذا الشعب، لا أبناء قومية يوضعون فى أفران الغاز، على الأقل كانت مصر يجب أن تقول ذلك وهى تعلن تمسكها بالرحمة والسلم، وهى تواجه القسوة والترهيب.. فالرحمة والسلم للجميع لا لفئة دون أخرى، وكذلك القسوة والترهيب.. فعلى مصر أن تدعو العالم لصد القسوة عن فلسطين ولمنع الترهيب على الفلسطينيين.

نعم لدور مصرى كبير ولترويج مواقف مصر الحضارية، لكن يجب أن يكون كل ذلك وفقا لأجندتنا السياسية وبحثا عن مكاسب وسط هذا العالم المتوحش الذى لا يعرف سوى حسابات الأرباح والخسائر ولا يدفع إلا فيما يساوى.. وأنا بكل صراحة أعتقد أن منصب مدير اليونسكو لا يساوى هذا الثمن، أما الذى يساوى فهو أن تكون مصر (الأزهر) حاضرة بقوة وتفرض كلمتها فى أى حوار متحضر للأديان تعرف بالضبط ماذا تريد منه.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات