الانتخابات الإسرائيلية.. إلى أين؟ - حازم خيرت - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 3:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتخابات الإسرائيلية.. إلى أين؟

نشر فى : الإثنين 28 أكتوبر 2019 - 8:25 م | آخر تحديث : الإثنين 28 أكتوبر 2019 - 8:25 م

تزامنا مع عيد ميلاده السبعين، فى 21 أكتوبر الجارى، أبلغ بنيامين نتنياهو رسميا الرئيس الإسرائيلى رئوفين ريفلين، أنه فشل فى تشكيل الحكومة وبالتالى فإنه يعيد للرئيس الإسرائيلى التفويض الذى منحه له فى فى سبتمبر الماضى، وعليه يتم تفويض المنافس بينى جانتس، زعيم حزب أزرق أبيض لمدة 28 يوما لتشكيل الحكومة الإسرائيلية. وقد أوضح نتنياهو عبر شريط مصور، تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعى، أنه أعاد التفويض لرئيس الدولة لعدم تمكنه من تشكيل الحكومة محملا منافسه جانتس مسئولية ذلك لرفضه الاجتماع معه ورفض اقتراح رئيس الدولة تشكيل حكومة وحدة وطنية بين الليكود وأزرق أبيض، وتساءل كيف ستنجح حكومة أقلية جانتس التى تعتمد على القائمة المشتركة فى محاربة الإرهاب وحماس وحزب الله وإيران. ونوه نتنياهو إلى أنه إذا تورط جانتس فى إقامة حكومة خطيرة كهذه، فإنه ــ أى نتنياهو ــ سيقف على رأس المعارضة وسيعمل على استبدالها أو إسقاطها بسرعة.
من جانبه، أصدر تكتل (أزرق أبيض) الذى يتزعمه جانتس، بيانا أشار فيه إلى أن فترة تضييع الوقت قد مرت وحان وقت العمل. وأن (أزرق أبيض) مصمم على إقامة حكومة الوحدة الوطنية الليبرالية بقيادة بينى جانتس، والتى اختارها الشعب الإسرائيلى قبل شهر.
ما سبق يعنى أن نتائج انتخابات الكنيست المعادة فى سبتمبر الماضى، بعد أن فشلت الانتخابات التى سبقتها فى شهر إبريل، لم تنجح فى عبور الأزمة القائمة فى إسرائيل بسبب عدم قدرة شخص على تشكيل حكومة، وهو ما قد يترتب عليه انتخابات جديدة بعد ثلاثة أشهر، مما يعنى أن الحكومة الإسرائيلية قد تبقى لمدة عام مجرد حكومة تصريف أعمال، لتشل الحياة السياسية بأكلمها مما يمثل عبئا اقتصاديا يكلف إسرائيل المليارات.
فى نظر البعض، فإن العقدة قد استحكمت، فالكتلتان اللتان تتصارعان على السلطة هما أزرق أبيض والليكود، ولا يستطيع أحدهما حتى الآن الحصول على الأغلبية التى تمكنه من تشكيل ائتلاف حكومى مع الأحزاب الأخرى ــ أى الحصول على 61 مقعدا (50% + 1) من إجمالى عدد مقاعد الكنيسيت (120 مقعدا).
فالليكود حصل على 32 مقعدا فى الانتخابات، ويستطيع نظريا أن يحصد 55 مقعدا لو تحالف مع الأحزاب اليمينية والدينية مثل شاس (9 مقاعد) ويهودات هتوراه (7 مقاعد) ويمينا (7 مقاعد). أما أزرق أبيض، الذى حصل على 33 مقعدا، فيمكنه أن يحصد مبدئيا 44 مقعدا بالتحالف مع أحزاب الوسط واليسار وهما حزب العمل وجيشر (6 مقاعد) والمعسكر الديمقراطى ( 5 مقاعد)، إضافة إلى التوصية التى حصل عليها من 10 من مجموع الـ 13 مقعدا للقائمة المشتركة ولكن دون مشاركة فى الائتلاف، وبالتالى يصبح المجموع 54 مقعدا فقط.. على هذا، فإن رمانة الميزان أو «بيضة القبان» فى هذه المعادلة الصعبة هو حزب «إسرائيل بيتنا» الذى يتزعمه افيجودور ليبرمان والذى حصل على 8 مقاعد، وبالتالى فإن تحالفه مع إحدى الكتلتين المتنافستين يمّكن أحدهما من الحصول على عدد المقاعد المطلوبة لتشكيل الحكومة.
***
القراءة الموضوعية لتلك المعضلة لا تبشر بانفراج قريب يلوح فى الأفق، فالمفاوضات بين اللاعبين الأساسيين فشلت، والمبادرات والصفقات التى يتم طرحها ترفضها الأطراف الأخرى، ونتنياهو يصر على البقاء حتى آخر نفس حفاظا على إرثه السياسى وخوفا من شبهات الفساد التى تطارده، وباتت السيناريوهات المطروحة والمعقدة تنحصر فيما يلى:
السيناريو الأول: هى حكومة موسعة أو حكومة وحدة وطنية تضم الليكود وأزرق أبيض وهو ما حاول رئيس الدولة رئوفين رفلين إقناع زعيمى الحزبين نتنياهو وجانتس به وبالتناوب على رئاسة الحكومة، إلا أن هذا الاقتراح مرفوض تماما من جانتس الذى يشترط أن ينسحب نتنياهو تماما من الليكود بسبب تورطه فى قضايا فساد وعدم استعداد جانتس للتعامل معه وهو ما تعهد به خلال حملته الانتخابية، أما نتنياهو، فلاشك أنه لن يتنازل ومتمسك بزعامته لليكود حتى آخر نفس بل ونجح مؤخرا فى الحصول على ثقة الليكود بعد استصدار قرار من الحزب ينص على أن نتنياهو هو المرشح الوحيد لتشكيل الحكومة طوال الولاية الـ22 للكنيسيت.
السيناريو الثانى: هو حكومة وحدة وطنية موسعة تضم الليكود وأزرق أبيض وإسرائيل بيتنا الذى يتزعمه ليبرمان، وإن كانت هذه المسألة ليست سهلة وتحتاج إلى تنازلات، خاصة من نتنياهو الذى لن يجد خيارا آخر إلا بالتضحية بالأحزاب الدينية، فليبرمان يصر على شروطه للتحالف مع الليكود أن يفرض على الحريديم (المتدنيين) التجنيد العسكرى وشروط أخرى ذات توجهات علمانية، وهو ما ترفضه تماما الأحزاب الدينية. وقد دعا ليبرمان لتشكيل هذا الائتلاف الموسع مقترحا تولى نتنياهو الفترة الأولى من رئاسة الحكومة ولكنه أصر على شروطه السابقة، هذا فضلا عن أن جانتس يتمسك بشرط إبعاد نتنياهو عن أى ائتلاف يشارك فيه.
السيناريو الثالث: هو تحالف أحد الحزبين مع إسرائيل بيتنا، سواء الليكود أو أزرق أبيض، وهو الأضعف احتمالا والأكثر تعقيدا، فالمحاولات السابقة لتحالف نتنياهو ــ ليبرمان فشلت وهو ما أدى إلى إعادة انتخابات إبريل الماضى، ويبدو أن الأمور لن تتغير، فليبرمان مازال متمسكا بشروطه، وفى نفس الوقت لن يستطيع نتنياهو التخلى عن الأحزاب الدينية لأنه سيفقد 16 مقعدا للحزبين الدينيين فى الكنيسيت، وبالتالى حتى إذا تحالف مع ليبرمان، فلن يحصل على الـ 61 مقعدا.
أما تحالف ليبرمان مع جانتس، فهو أيضا يواجه عدة عقبات، فرغم أن جانتس ليس لديه مصلحة مع الأحزاب الدينية، وتوجهاته تنسجم مع توجهات ليبرمان العلمانية وكذلك قضية التعامل مع قطاع غزة، إلا أن ليبرمان يرفض أن يكون هذا التحالف محسوبا فيه أصوات القائمة المشتركة التى يعتبرها عدوا على حد وصفه، وهو السبب الرئيسى وراء وضع خطته بحكومة الوحدة الوطنية التى تضم الأحزاب الثلاثة، كما أن القائمة المشتركة قد تعيد النظر فى التوصية لجانتس إذا تحالف مع ليبرمان مما سيقلل من عدد المقاعد بحيث لا تتعدى الـ 61 مقعدا (44 أزرق أبيض و8 إسرائيل بيتنا).
السيناريو الرابع: هو انتهاء الجدول الزمنى لتفويض زعيمى الليكود وأزرق أبيض وبالتالى يحق لرئيس الدولة وفقا للقانون الإسرائيلى، وبعد التشاور مع الأحزاب، تكليف أحد أعضاء الكنيسيت وليس شرطا أن يكون رئيس أحد الأحزاب الفائزة، بتكوين ائتلاف حكومى يحصل على 61 مقعدا، وهو أيضا صعب تحقيقه بسبب الخلافات وحالة الانقسام بين الأحزاب الإسرائيلية.
السيناريو الخامس والأخير: إعادة الانتخابات للمرة الثالثة وهو أكثر السيناريوهات ترجيحا، وهو خيار يتمنى الإسرائيليون تجنبه لتداعياته الاقتصادية، فضلا عن أنه سيزيد من حالة التشتت والانقسام داخل المجتمع الإسرائيلى وسيكون أول سابقة فى تاريخ دولة إسرائيل.
***
ولا شك أن جانتس الذى تم تفويضه مؤخرا من قبل رئيس الدولة يواجه فترة مهمة وصعبة، فالفترة الزمنية التى تم تفويضه فيها قد تشهد حسم القضية 4000 المتهم فيها نتنياهو بالرشوة. جانتس وأعداء نتينياهو وشريحة كبيرة من الشعب الإسرائيلى التى سئمت منه ومن طول فترة حكمه يتمنون بطبيعة الحال إدانته وإنهاء حياته السياسية، فى حين أن مناصرى نتنياهو لديهم قدر كبير من الثقة بأنه سيتم تبرئته، لاسيما أن هناك بعض المؤشرات فى هذا الاتجاه خاصة بعد أن سربت بعض المصادر أنه تم الدفع بعدد من كبار المحامين الأمريكيين الذين جلبهم نتنياهو لحضور جلسة الدفاع الأولى أمام أفيجاى مندلبليت، المستشار القانونى للحكومة الإسرائيلية، وأنهم نجحوا فى التأثير على سير القضية لصالح نتنياهو، وبالتأكيد إذا نجح نتنياهو فى النجاة من تلك القضية والإبقاء على قيد الحياة السياسية، فقد تتاح له فرصة كبيرة لاستعادة ثقة الشعب الإسرائيلى الذى لم يصوت عدد كبير منهم له بسبب القضايا المشتبه بتورطه فيها، وهو من الطبيعى أن يسعى إلى انتخابات ثالثة باعتبار أن موقفه سيكون أكثر قوة وسيحصل على الأصوات التى فقدها فى الانتخابات السابقة.
أما جانتس فهو سيحاول حصد أصوات تغنيه عن الأصوات العربية التى أضافت له 10 مقاعد وذلك بسبب أنه يدرك أن ائتلافه إذا اعتمد على أصوات القائمة العربية سيكون فى مخاطرة أو مجازفة باعتبار أن أى مواقف يتخذها ضد مصالح الفلسطينيين، وهو متوقع بطبيعة الحال، قد يترتب عليه سحب الثقة من القائمة المشتركة وبالتالى يفقد عدد المقاعد التى أعطت له الأغلبية، ولذا سيحاول جذب عدد من أعضاء الليكود، أو حزب شاس الدينى والذى لا يستبعد بعض السياسيين الإسرائيليين تحالف شاس مع أزرق أبيض إذا سقط نتنياهو، باعتبار أن شاس له مواقف سياسية توصف بالوسطية وتؤيد التفاوض مع الفلسطينيين وليسوا من المتزمتين أو المعنيين بالمستوطنات، بل معروف عن زعيمهم الروحى «عوفاديا يوسف» مقولته «أن هناك أرضا مقدسة والمقدسون هم الله والبشر الذين خلقوا فى أحسن تقويم».
***
أما القائمة المشتركة والتى حصدت 13 مقعدا، فيما يعد إنجازا تاريخيا وسياسيا ويؤكد على أن نواب القائمة المشتركة بدأوا يضعون مصالح فلسطينى الداخل أو عرب 48 قبل مصالحهم أو طموحاتهم الشخصية، ونجحوا فى تحقيق ما فشلوا فيه فى الانتخابات السابقة عندما شاركوا بقائمتين فى الانتخابات السابقة وحصلوا على عشرة مقاعد فقط، ولا شك أن المشاركة بقائمة واحدة أعادت الثقة لدى الشارع العربى فى إسرائيل، فزاد الإقدام العربى على الانتخابات، لاسيما أن الانتخابات السابقة شهدت إقبالا ضعيفا فضلا عن انزلاق بعض عرب 48 فى التصويت لصالح بعض أحزاب الوسط واليسار الإسرائيلى.
أما بالنسبة للثقل السياسى للقائمة المشتركة، فهى قد تكون بداية لتحول مؤثر فى الحياة السياسية الإسرائيلية خاصة أن القائمة المشتركة هى ثالث أكبر حزب فى الكنيسيت وفقا للانتخابات الأخيرة، إلا أن هذا الثقل يعتمد أيضا على شكل الحكومة القادمة، فهى لن تدخل فى تحالفات سواء مع اليمين أو الوسط واليسار، كما أنه من المستحيل التصور أنها يمكن أن تشارك فى أى تحالف فيه ليبرمان والذى قال إنه لا يمكن أن يجلس مع حكومة وحدة وطنية موسعة تستند لها أو تعتمد على الأصوات العربية.
وفى حال تم التوصل إلى حكومة موسعة، ستكون القائمة المشتركة هى أكبر أحزاب المعارضة، وربما تطالب فى هذه الحالة بأن تترأس المعارضة وإن كان هذا أيضا أمرا قد يكون مستحيلا لأن ذلك يتطلب موافقة باقى أحزاب المعارضة التى سترفض بطبيعة الحال هذا الطلب، ولاشك أن هذا الإنجاز الذى حققته القائمة المشتركة قد أثار قلق الأحزاب القومية والدينية المتطرفة..
هناك خطوط حمراء بل وقواعد غير مكتوبة لا يمكن تجاوزها مهما بلغ سقف الحريات، وأعتقد أن نتنياهو ــ إذا تم تبرئته ــ وتمكن بخبرته من إفشال مساعى جانتس خلال الأسابيع المقبلة لتشكيل حكومته، ومن ثم الدفع بالبلاد إلى دورة انتخابات ثالثة، فإنه سيستخدم هذا التطور لصالحه بإثاره مخاوف الإسرائيليين بأنه سيأتى اليوم الذى سيتحكم فيه العرب فى اختيار رئيس الوزراء الإسرائيلى، وهو أمر يمكن أن يقلب موازين القوى بشكل مؤثر، وهى لعبة انتخابية أجاد نتنياهو استخدامها من قبل جنبا إلى جنب مع فزاعة الخوف من إيران والإرهاب وغيرها، بما يمس جرحا غائرا فى التركيبة النفسية للشعب الإسرائيلى.
ما لا يمكن إغفاله هو أن نتنياهو حاليا فى تقدير الكثير من الإسرائيليين ــ حتى غلاة المعارضين له ــ يعد الزعيم التاريخى الأكثر بقاء فى سدة الحكم ــ حتى مقارنة ببن جوريون ــ وهو أكثر تحقيقا للإنجازات حربا وسلما، ففى عهده نكصت الولايات المتحدة عن الحد الأدنى من احترامها للقانون الدولى ومنحت له اعترافها بالجولان والقدس الشرقية، ويبدو أنها لا تمانع فى ضم أجزاء كبرى من الضفة الغربية، وهو من مكن إسرائيل من تحقيق مكانة دولية وإقليمية غير مسبوقة بإنجازات كبرى اقتصادية وعلمية وتكنولوجية.. وهو يحظى بالدعم الشخصى من ترامب بكل ما يعنيه ذلك من مؤثرات قد تدفع الأمور إلى غير ما صارت إليه فى الانتخابات السابقة، لو فشل جانتس فى تشكيل حكومته.. ورغم أن هناك من يقدر أن نتنياهو يمكن أن يخرج من السباق الانتخابى لو حصل على ضمانات أو عفو من الرئيس بعدم ملاحقته، إلا أن الذين يعرفون شخصية نتنياهو جيدا يستبعدون هذا الاحتمال ويرجحون بأنه سيواصل القتال الانتخابى والاستمساك بالسلطة حتى الرمق الأخير.

حازم خيرت مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات