من موت السياسة إلى قتلها - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 12:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من موت السياسة إلى قتلها

نشر فى : الأحد 28 يونيو 2009 - 8:25 م | آخر تحديث : الإثنين 29 يونيو 2009 - 11:00 ص

 كنت أتوقع أن تحدث الأنباء التى تواترت حول حل مجلس الشعب والدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، بعض الحراك فى المشهد السياسى الجامد كجلمود صخر، فهذا هو حال السياسة دوما، تتفاعل مع أنصاف الأخبار وأرباعها، بل إن أشباه وأشباح الأخبار غالبا ما تفتح باب الجدل السياسى والحزبى والفكرى، وعلى ما يبدو أن هذا يحدث فى أى مكان إلا فى مصر.. فأخبار السياسة لاتدعو الساسة للتحرك والنشاط.. ولا تدعو الرأى العام للتفاعل معها!! فقط، ساسة النظام الذى يحكم هم وحدهم القادرون على لفت انتباه الرأى العام لما يريدون أن يلتفتوا إليه.. وكل ما يملكونه إما «النفى» مثل السيد صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، الذى لايفضل أبدا ذكر أى معلومات أو بإعلان عدم المعرفة بشىء مثل الدكتور أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب والذى يفضل استخدام كلمة «الله أعلم».. أو التصريح بكلام يعرفه الجميع كنموذج الدكتور مفيد شهاب الوزير المسئول عن القوانين فى بلادنا.. فهو يقول لنا دوما ما هو موجود فى الدستور.. الدستور ينص على كذا وكذا.. وكأننا لا نستطيع معرفة ما يقول إلا عندما يخرج علينا بتصريحاته.

وفى مقابل هؤلاء.. جيل الشباب من الساسة الذى كان أكثر حيوية ونشاطا منذ سنوات قليلة يتحدث عن الإصلاح والتغيير.. يشترك ويشتبك فى كل المعارك.. الصغيرة والكبيرة.. لكنه عبر دورة سياسية صغيرة وقصيرة زمنيا.. أصيب بالخرس المفاجىء، وأصبحت تحركاته كلها صامتة وأقرب إلى السرية.. وكأنهم قرروا أن يفعلوا مثل شيوخهم عدم ممارسة السياسة إلا عند الضرورة القصوى.. وهكذا انحبست السياسة ما بين ساسة لاينطقون بسياسة.. وساسة لا ينطقون أصلا.

هذه الحالة على بعضها، بكل من فيها، لا تقف فقط عند حدود الوصف الشهير «موت السياسة» وهى الحالة التى تعيشها مصر منذ سنوات طويلة، باستثناء العام 2005، الذى شهد تعديلا دستوريا وانتخابات رئاسية وبرلمانية ساخنة.. كشفت عن الكثير.. وقدمت بعض الوجوه.. وعرضت عدة أفكار.. وفتحت أبواب الجدل السياسى والفكرى على مصرعيها.. ولأن كل ما حدث كان فوقيا وبقرارات سيادية فقد انتهى كل شىء فور أن قرر هؤلاء السادة عودة الأمور إلى طبيعتها الصامتة (الميتة) ولم تقو أى قوى على الاستمرار فى حالة الحراك، بل هناك ممن يطلق عليهم معارضة، شاركوا بهمة فى وأد حالة الحيوية السياسية.. وكأن الجميع مستريح لهذه الحالة وبالتالى متواطئ فى الإبقاء عليها.

وعلى ما يبدو أن حالة الموات هذه، بكل ما فيها من مميزات وخبرات لمن هم فى مقاعد الحكم، لم تعد كافية أمام فلول الذين يريدون منح السياسة قبلة الحياة، أو أمام جبل جديد يريد أن يتحرك داخل قطار السياسة حتى لو على سلالمه (مثل حركة 6 أبريل).. فقرر هؤلاء اغتيال السياسة وقتلها نهائيا وهو متحرك فكرى وتنظيمى موجود فى فترات متباعدة فى التواريخ السياسية البليدة للشعوب الميتة.. وهو الأمر الذى يعنى ببساطة إنشاء تكوينات وكيانات سياسية ضخمة ولكنها لا تقدر على فصل السياسة.. تنتمى فقط لهذه التنظيمات من أجل مصالحها الكبيرة أو الصغيرة.. كل وفق ترتيبه داخل هذا التنظيم.. على سبيل المثال حالة الأحزاب الشيوعية فى شرق أوروبا.. كل الشعب أعضاء فى الحزب.. من أجل الحفاظ على الوظيفة أو المكانة المرموقة.. أو حتى من أجل الحصول على علبة سجائر أمريكية أو كحول غربى ممتاز.. أما السياسة فلا شأن لهم بها.. كذلك كانت حالة حزب البعث فى العراق.. البحث عن عضوية من أجل مواجهة بطش النظام أو ركوب سيارة، أو القدرة على السفر إلى الخارج.. أما السياسة فهى من الأملاك الشخصية للرئيس وحاشيته.

وحينما يصل عدد أعضاء الحزب الوطنى إلى ثلاثة ملايين عضو، فهذه تباشير نجاح عملية اغتيال السياسة والقضاء عليها.. فهؤلاء طبعا لا يمارسون السياسة، فقط يحافظون على مصالحهم، أو طامحون فى مصالح صغيرة، وبالمناسبة هذا حقهم لأن السياسة فى النهاية تعبير عن مصالح، لكنهم لايمارسون السياسة لخلق أوضاع جديدة تنتعش فيها مصالحهم بل فقط إعلان الولاء للقيادة والاستجابة للحشد عندما تحين اللحظة مثل الانتخابات أو القضاء على ظواهر يرى الحزب أنها تهدد مصالحه.. والمذهل أن هذا يحدث داخل القوى السياسية الأخرى، فممارسة السياسة داخل حركة الإخوان.. محظورة على القواعد ومسموح بها للقادة فقط.. وعندما حاول بعض الشباب ممارسة أفعال سياسية فى مواجهة النظام تم التنكيل بهم والإطاحة بالمتميزين منهم من الجماعة.. لتبقى هى الأخرى جامدة.. فوقية.. تتلذذ بموت السياسة وتبتهج لقتلها.. وحدث ولا حرج فى بقية القوى السياسية الأخرى إن كانت موجودة أصلا.

«موت السياسة»، حالة طبيعية تصل إليها بعض الشعوب لأسباب عديدة.. وتبقى حالة موات مؤقت.. يمكن أن تنتعش أو تستجيب لأى مؤثرات شعبية قوية.. وربما تأتى نتيجة لضعف النظام.. وخوفه من صعود أى قوى أخرى.. مثلما فعل شيوخ الحزب الوطنى الذين نجحوا فى وأد القوى السياسية الحقيقية سواء من أصحاب اليمين مثل حزب الوفد أو من أهل اليسار مثل التجمع والناصريين.. واستبدلتهم بأحزاب ورقية مصنوعة لم تستطع فعل أى شىء سوى تقديم رجل له اسم وصفة حزبية استطاع المشاركة فى انتخابات الرئاسة وأعتقد أن الرئيس مبارك نفسه نسى أسماء غالبيتهم.. هذه الأحزاب باتت مجرد أرقام يذكرنا بها دوما السيد صفوت الشريف دليلا على الحيوية السياسية، وتعبيرا عن «أزهى» عصور «الديمقراطية» وعندما لم يجد الحزب من ينافسه على الساحة من أحزاب.. كان طبيعيا أن تظهر قوى الإخوان متسلحة بالدين وبالخدمات الاجتماعية.. فالأرض كانت خرابا وخاوية.. وعطشى لأى عابر يمنحها بعض السياسة والوقوف على عتبات الخلاف مع الحزب المستبد الذى يحكم.

أما شباب الحزب الوطنى.. فلم تعجبه حالة الموات هذه، ولم يصنع معارضة من ورق مثلما فعل شيوخه.. فقد اختار أن يغتال السياسة ويضربها فى مقتل حتى يستطيع اللعب منفردا بدون ضغوط.. وقرر أن يبدأ بقتل السياسة داخل حزبه.. عامدا متعمدا متكئا على هشاشة طموحات أعضائه.. قادرا على تعميم الحالة عند بقية القوى الأخرى بصفقات رخيصة مع قادة هزمتهم السنون والسجون،والمصالح الصغيرة.. وسواء ماتت السياسة من تلقاء نفسها.. أو بفعل فاعل، فلاعزاء للشعب الذى سمح بكل ذلك.. ومازال يرحب بالكثير!!

حل مجلس الشعب.. خطوة ربما تسمح للسياسة بالصحوة مرة أخرى.. وربما نرتاح ونتقبل العزاء فى إرادتنا، ونترك مهام التغيير لأجيال لم تصعد بعد لمنصات العمل السياسى.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات