جبال بورسعيد الثلاثة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 11:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جبال بورسعيد الثلاثة

نشر فى : الخميس 28 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 28 فبراير 2013 - 8:00 ص

٣- جبل العصيان

 

..والعصيان فى بورسعيد كان يعنى دائما انها مدينة عصية على من يرغب فى الامساك بتلابيبها، من يعتقد انه قادر على اغتصاب ارضها، او السيطرة على شعبها، و لا انسى ابدا حوار دار فى منتصف الثمانينيات مع المفكر المصرى (الراحل) الكبير محمد السيد سعيد حول مؤلفه البديع عن الشركات العابرة للقوميات، وهو حوار انتهى فى ساعات الصباح الاولى بعد ان اخبرنا احد اصدقائه ان «محمد بورسعيدى وعقله عصى على قبول ما لا يؤمن به»، و اذكر ايضا حالة عصيان فنى لشقيقه مخرج السينما سيد سعيد وهو يرفض الانصياع لاى مفاوضات مع منتج فيلمه قد تصل الى ما لا يريده، صحيح تعطل بعض الوقت لكن «القبطان» خرج كما يهوى وظهر مثلما يريد.

 

بورسعيد حزينة منذ اكثر من عام، مدينة عصية لا تفهم ماذا حدث فى المساء القاتل بالاستاد (مقابر شهداء انتصار ١٩٥٦)، وايضا هى لم تفهم لماذا تتعرض للسباب بطول وعرض الوطن، حتى وصل السباب الى ما لم يتصوروه (بورسعيد وبورصهيون) ولمن لا يعلم فهذه المدينة «بورسعيد» هى عند اهلها  اغلى من الحياة نفسها، ومع ذلك وقفت المدينة على اعصابها حتى تمر المحنة، وحتى تشارك فى سداد عقاب، ربما يكون قد اقترفه بعض الخارجين عن القانون ممن ينتسبون اليها، ومرة أخرى تنفجر الاحداث العصية على فهم البورسعيدية، فى اعقاب الاعلان عن إحالة اوراق بعض المتهمين الى المفتى، هم يفهمون القصاص ويطالبون به ويؤمنون بحق القلوب ان ترتاح والافئدة ان تهدأ، لكن  صديقة من بورسعيد قالت لى: «بعض التعليقات كانت صادمة، وكأنما صدر حكم الإدانة ضد المدينة وأبنائها، وكأنما قرر البعض استباحة عرض بورسعيد وأهلها»، ربما كان البكاء اطمئنانا للقصاص اكثر هيبة للموقف واجلالا للشهيد الًذى اعتنت العدالة بحقه. بدلا من التعليقات التى وصلتهم من القاهرة، وتساءل البورسعيدية، كما حكت بنتها الاديبة والشاعرة: «لماذا لم توصم القاهرة بفعل قلة من أهالى نزلة السمان يوم موقعة الجمل؟ ولم لم تنبذ العباسية بموقف بعض أهلها من الثوار؟ من أوحى للمصريين أن قلة مأجورة من قلة تحضر مباراة كرة قدم تمثل أهالى مدينة؟»، ثم اكتملت مأساوية المشهد بمزيد من الدماء فى بورسعيد، وتحولت المأساوية الى قسوة عبثية غير اخلاقية، فى تشييع جنازات شهداء اليوم السابق، هنا اصبح انفجار المدينة وعصيانها، ضرورة لاستيعاب صدمة كل ما حدث، وربما لمواجهة بعض ما حدث.

 

أما ما يحدث الآن، فهو أمر يستعصى على فهمنا، مسيرات يومية، جرافيتى يساوى مرسى بمبارك، أعلام جديدة، موسيقى حزينة، ذكريات القنال.. أغنيات عبدالحليم، شرطة شعبية، وأقسام اهلية «الشعب فى خدمة الشعب»، تعزف السمسمية لتذكرنا بالثورة و أيامها الجميلة والثورة تبحث عن القصاص من جديد،  والقاهرة تهتف لبورسعيد بعد عام من السباب والهجاء، والكرة تعود للمساء فى «دورى حظر التجول»، وحظر التجول تم حظره، والطوارئ طارت بعيدا عن هتاف المسيرات وطيور النورس عادت مع أغنيات بطولة الخمسينيات، ويحكى ان ولازم يحكى: إن مدينة حزينة.. لم تجد من يواسيها.. فواست نفسها فقالوا: انها عاصية وعصية وتمارس العصيان .. ويحكى ان ولازم يحكى: اننا لا نتعلم من تواريخنا.. قريبة كانت ام بعيدة وسلام على بورسعيد والف سلام على أهلها. 

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات