الإسلام ومصر وعبدالناصر: أخطاء فى قراءة وفهم العلاقة - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 12:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام ومصر وعبدالناصر: أخطاء فى قراءة وفهم العلاقة

نشر فى : الإثنين 27 سبتمبر 2010 - 9:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 27 سبتمبر 2010 - 9:20 ص

 من يقرأ أو يشاهد أو يستمع لوسائل الإعلام الغربية خلال الفترة الأخيرة التى تلت هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن، وبعدها فوز كل من حركة حماس فى فلسطين والإخوان المسلمين فى مصر فى الانتخابات التشريعية عامى 2005 و2006، يلاحظ مدى التخوف الذى يجتاح كثيرا من الأوساط الغربية من هذا التقدم السريع المتصاعد للحركات الإسلامية السياسية. وإلى جانب هذا التخوف الذى لا يخفى على أحد، يوضح تأمل وسائل الإعلام الغربية أنها تبدو مندهشة ومفاجأة من هذا الوجود الملحوظ والأهمية اللذين يتخذهما الإسلام وبعض الحركات المنتسبة إليه فى مختلف المجتمعات الإسلامية. وفى كثير من الأحوال اختلط التخوف بالدهشة ليفرزا رفضا صارما وعلنيا فى عديد من المناسبات من جانب شخصيات ومؤسسات سياسية وإعلامية غربية رئيسية فى بلادها لوجود أى دور للإسلام أو للحركات السياسية المنتمية إليه فى إدارة شئون البلدان المسلمة.

والحقيقة أنه على الرغم من أن تلك الدهشة وهذا التخوف يعكسان بدون أدنى شك مصالح غربية عديدة وكبيرة يرى أصحابها أن السماح بأى دور محورى للإسلام أو للحركات السياسية المنتسبة إليه فى بلدانها سوف يهدد هذه المصالح، فإن جزءا مهما من هذا الموقف الغربى المركب سواء على الصعيد الإعلامى أو السياسى يعكس قدرا هائلا من غياب المعرفة بحقيقة موضع الإسلام من المجتمعات والدول المسلمة ومن ثقافة شعوبها وقيمهم وتقاليدهم. فهذا الإسلام الذى يبدو اليوم بالنسبة لكثير من الغربيين كوافد جديد طارئ على تلك المجتمعات والدول والشعوب، لم يغب فى حقيقة الأمر عنها يوما واحدا، وكل ما فى الأمر أنه يتخذ ما بين فترة وأخرى صورا مختلفة للظهور السياسى والاجتماعى، تعد الحركات الإسلامية السياسية هى الأبرز منها خلال ربع القرن الأخير. وقد ظل الإسلام بكثير من أوجهه حاضرا حتى فى ظل نظم سياسية شاع عنها وأشيع حولها أنها ليست إسلامية بل ودخل بعضها فى صدامات واسعة مع قوى سياسية ذات طابع إسلامى، مثلما كان الحال بالنسبة لنظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر (1952 ــ 1970) الذى تحل ذكرى رحيله الأربعين غدا.

وهذا الانطباع الشائع عن علاقة نظام الرئيس عبدالناصر بالإسلام يعود فى معظمه إلى ما جرى فى بداية حكمه ــ وتحديدا فى عام 1954 ــ من صدام واسع وحاد مع جماعة الإخوان المسلمين، وأيضا إلى توجهه الفكرى والسياسى ذى الطبيعة الاشتراكية المرتبط بانحياز عربى وحدوى. إلا أن التأمل الأكثر دقة ليس فقط للوقائع العملية المشهورة التى عرفها ذلك النظام مثل إنشاء أول إذاعة للقرآن الكريم فى ظله أو تأسيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وغيرها، يوصلنا لحقيقة أنه كان النظام السياسى المصرى الوحيد الذى أقدم على دمج قطاع مهم ورئيسى من جماعة الإخوان المسلمين بداخل هيئاته ومؤسساته الحكومية والسياسية وفى مستويات عليا منها مع استمراره فى الاحتفاظ بالكتلة الأكبر منهم بداخل السجون والمعتقلات لسنوات طوال، الأمر الذى يؤكد أنه لم يكن كما يشاع عنه نظاما معاديا للإسلام أو أن الإسلام قد غاب عن مصر فى ظله. كذلك فإن قراءة الوثائق الرئيسية التى تبناها ذلك النظام ليعبر بها عن توجهه الفكرى والسياسى، يوضح إلى أى مدى كان الإسلام حاضرا فيها.

ففى كتاب فلسفة الثورة (1953) والذى يعد الوثيقة الفكرية الأولى لعبدالناصر بعد نجاح ثورته، يحدد الدوائر الثلاث التى يرى أن مصر تنتمى إليها وأن دورها الخارجى يجب أن يتوزع بينها، فيراها أولا فى الدائرة العربية وثانيا فى الدائرة الأفريقية وثالثا فى الدائرة الإسلامية. ولدى حديثه عن انتماء مصر للدائرة الإسلامية يربط عبدالناصر بينه وبين الدور التحررى لمصر خلال المراحل التاريخية القديمة التى مر بها ذلك الانتماء، حيث يرى أن الحضارة الإسلامية والتراث الإسلامى الذى أغار عليه المغول الذين اكتسحوا عواصم الإسلام القديمة تراجع إلى مصر وأوى إليها عندما ردت غزو المغول على أعقابه فى عين جالوت. وفى تلك الوثيقة يذهب عبدالناصر فى تفسيره ورؤيته للإسلام كقوة تحررية وتعبوية وتوحيدية لجموع المسلمين عبر العالم الإسلامى إلى اعتبار بعض أركان وطقوس الإسلام الرئيسية مثل الحج ــ كما يقول ــ بمثابة مؤتمر سياسى دورى يجتمع فيه كل قادة الدول الإسلامية ورجال الرأى فيها وعلماؤها فى كل أنحاء المعرفة وكتابها وملوك الصناعة فيها وتجارها وشبابها ليضعوا فى هذا البرلمان الإسلامى العالمى خطوطا عريضة لسياسة بلادهم وتعاونهم معها حتى يحين موعد اجتماعهم من جديد بعد عام. ويعيد عبدالناصر فى نفس الوثيقة التأكيد على رؤيته للإسلام كعنصر موحد ومعبئ للمسلمين المنتمين إليه على اختلاف جنسياتهم وقومياتهم، حين يتحدث عن الإمكانيات الهائلة التى يمكن أن يحققها تعاون هؤلاء المسلمين جميعا، إذا تعاونوا معا تعاونا لا يخرج عن حدود ولائهم لأوطانهم الأصلية بما يكفل لهم ولإخوانهم فى العقيدة قوة غير محدودة.

وفى الوثيقة الرئيسية الثانية لعبدالناصر، أى ميثاق العمل الوطنى (1962)، يكتسب الإسلام بالإضافة إلى معانيه التحررية والتعبوية والتوحيدية معنى تقدميا باعتباره دين العدالة والمساواة بين البشر. فمنذ بداية تلك الوثيقة يرى عبدالناصر أن أحد عوامل نجاح نضال الشعب المصرى والشعوب العربية والمسلمة الأخرى هو وجود إيمان لا يتزعزع بالله ورسله ورسالاته المقدسة التى بعثها بالحق والهدى إلى الإنسانية فى كل مكان وزمان. ويتطرق الميثاق فى عدة مواضع منه وبخاصة الباب السابع إلى الأدوار العظيمة التى قام به الشعب المصرى فى إطار التاريخ الإسلامى وعلى هدى من الرسالة المحمدية من أجل الدفاع عن الحضارة والإنسانية. ويؤكد عبدالناصر فى الميثاق بلغة أكثر وضوحا المعنى التقدمى للدين عموما وللإسلام خصوصا بتأكيده على أن جوهر الأديان يؤكد حق الإنسان فى الحرية والحياة، بل إن أساس الثواب والعقاب فى الدين هو فرصة متكافئة لكل إنسان وأن كل بشر يبدأ حياته أمام خالقه الأعظم بصفحة بيضاء يخط فيها أعماله باختياره الحر. وفى الوثيقة الثالثة الرئيسية، أى بيان 30 مارس 1968 الذى قدمه عبدالناصر بعد هزيمة يونيو 1967 القاسية، يعود الإسلام مرة أخرى لديه لكى يكتسب معانى تحررية نضالية ويبدو كقوة دافعة مهمة للصمود أمام العدوان الذى وقع على الأمة وحافزا رئيسيا لدحره وتجاوزه. ويمضى عبدالناصر فى وثيقته الثالثة الرئيسية لكى يجعل من دعم القيم الروحية والدينية واحدة من المهام الضرورية من أجل تجاوز الهزيمة وتحقيق النصر ورد العدوان على الشعب والأمة، ويدمج فى نهاية الوثيقة بين إرادة الشعب المصرى والشعوب العربية فى تحقيق ذلك النصر وبين إرادة الله التى هى حسب تعبيره إرادة الحق التى هى فوق كل إرادة.

إذا، فالإسلام بمختلف جوانبه ومعانيه وتفسيراته لم يغب يوما عن مجتمعاتنا ودولنا المسلمة بما فى ذلك تلك التى لم توصف «بالإسلامية» حسب التعبيرات الغربية الشائعة مؤخرا، مثل نظام الرئيس عبدالناصر. ومن هنا فإن استغراب ودهشة الإعلام الغربى مما يعتقد أنه حضور جديد مفاجئ للإسلام ليس هناك ما يبرره من وقائع حاضرة أو تاريخية، فالإسلام كان هنا وسوف يظل هنا بكل تلك الصور والجوانب والمعانى المتنوعة، وعلى من يهمه الأمر من الغربيين أن يبذل بعض الجهد فى إعادة قراءة ودراسة بلداننا ومجتمعاتنا وشعوبنا فعندها سوف يكتشف الحقيقة.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات