فريديريك ميتران - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 11:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فريديريك ميتران

نشر فى : السبت 27 يونيو 2009 - 4:39 م | آخر تحديث : السبت 27 يونيو 2009 - 4:39 م

 قام الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى منذ أيام قليلة باختيار فريديريك ميتران وزيرا للثقافة الفرنسية. تذكرت وأنا أرسل إليه رسالة تهنئة المرة الأولى التى شاهدته فيها. كان ذلك فى أوائل الثمانينيات وكان يقدم برنامجا تليفزيونيا عن فريد الأطرش. شاهدته بعد ذلك كثيرا يتحدث عن أم كلثوم وسامية جمال وفيروز. قابلته فى مراكش فى المغرب يتحدث عن عشقه لهذه المدينة العربية القديمة. فريديريك ميتران هو ابن شقيق الرئيس الفرنسى السابق فرنسوا ميتران أحد رموز الحزب الاشتراكى الفرنسى. تساءل البعض هل قبول فريديريك ميتران المحفظة الوزارية فى حكومة يمينية يعد خيانة لمسيرة عمه ميتران وخيانة أيضا لتاريخه الشخصى الذى بدأه بالانضمام للتيارات اليسارية. ولكنه أجاب عن هذا التساؤل قائلا إن ساركوزى اليمينى كان وزيرا هو الآخر عندما كان عمه الاشتراكى رئيسا للجمهورية، وإنه لشرف كبير أن أكون وزيرا للثقافة.

عمل فريديريك ميتران ممثلا منذ سن الثانية عشرة عاما، وهو كاتب وسيناريست ومنتج ومخرج أفلام تسجيلية ومذيع فى التليفزيون. وقد قام بإنتاج أفلام تسجيلية توثق الفن السينمائى الغنائى العربى. درس التاريخ والجغرافيا فى نانتير وتخرج فى معهد العلوم السياسية فى باريس. وكان حتى الأسبوع الماضى يشغل منصب رئيس الأكاديمية الفرنسية فى روما. يبدو أن روما لها فأل حسن على وزراء الثقافة. وكان قبل ذلك يشغل منصب رئيس قناة «تى. فى. 5 العالم» الفرانكوفونية. وهو رجل منفتح على العالم وقريب الصلة بالعالم العربى وبالفن العربى.

جاء ميتران خلفا لكرستين ألبانيل التى شغلت منصب وزيرة الثقافة والاتصالات لمدة عامين وشهر. وقد كلفها ساركوزى بالعمل على وصول الثقافة لكل الفرنسيين. والعمل على صياغة مشروع إصلاحى للتليفزيون وللإذاعة التابعين للحكومة وإلغاء الإعلانات، وإعادة تنظيم القنوات التليفزيونية والإذاعية الموجهة خارج فرنسا، وتأهيل العالم الثقافى لمتطلبات الثورة الرقمية وأخيرا حماية الإبداع الفنى من أخطار القرصنة. وقد قامت كرستين ألبانيل بدمج راديو فرنسا الدولى والقناة التليفزيونية «تى. فى. 5 العالم» والقناة التليفزيونية «فرنسا 24» وقامت من أجل أن تكون الثقافة الفرنسية ديمقراطية كالحكومة بفتح أبواب المتاحف للشباب مجانا. وخاضت معركة قانون «هادوبى» أو قانون الإبداع والإنترنت، والذى يجرم عمليات تبادل المعلومات غير القانونية عبر الإنترنت والذى تمت إجازته يوم 12 يونيو من هذا العام. ولكنها ــ نقلا عن صحيفة لوموند ــ لم تحظ بتقدير ساركوزى، واعتبرها الجميع قد فشلت فى إدارة معركة قانون «هادوبى».

كان هناك مرشحان لشغل وزارة الثقافة بعد كرستين ألبانيل هما «فريديريك ميتران» و«يمينة بنجيجى». وهى مخرجة فرنسية مسلمة من أصل جزائرى. قامت حديثا بإخراج فيلم وثائقى شديد الأهمية عن المهمشين فى الأحياء الفقيرة حول باريس. وهو «9/3 ذاكرة أرض». وهو فيلم يحاول فهم دوافع أعمال الشغب التى اندلعت فى ضواحى باريس يوم 27 أكتوبر عام 2005 واستمرت لمدة ثلاثة أسابيع. وقامت قبل هذا الفيلم بإخراج «ذاكرة مهاجرين» وهو سلسلة من الأفلام الوثائقية عن الهجرة المغربية إلى فرنسا. ويمينة بنجيجى عملت فى مشروعات ووظائف عدة تصب كلها فى إقامة الجسور بين الثقافة العربية والثقافة الفرنسية.

ومن الواضح من كلا الترشيحين أن نيكولا ساركوزى عاقد العزم على الانفتاح على العالم العربى على المستوى الثقافى، هذه النية الواضحة جاءت بعد أن قام بإرسال وفد على أعلى مستوى من مجلس الشيوخ الفرنسى فى جولة عربية من ضمنها مصر لفهم الأوضاع الداخلية ونقلها للرئيس الفرنسى، وقد التقيت هذا الوفد ورأيت مدى الجدية لمحاولة فهم صادقة للواقع الثقافى العربى.

وفريديريك ميتران رجل على علم بالحساسيات الثقافية العربية وعلى دراية بتاريخ الثقافة العربية فى القرن العشرين. قام بالإضافة إلى أفلامه الخاصة بالفن السينمائى والغنائى، بإنتاج فيلم عن الملك فاروق. وهو رجل شجاع فى آرائه. فقد انتقده الكثيرون عندما أعلن فى برنامج تليفزيونى أنه مل الحديث من جانب الدول الأفريقية أن الاستعمار الفرنسى هو سبب كل البلاوى. وقال إن اليابان قد تم تدميرها تماما بعد الحرب العالمية الثانية وتم تدمير البنية التحتية فيها واهتزت الثقافة اليابانية بعنف أمام الاجتياح الأمريكى وبعد أقل من أربعين عاما من انتهاء الحرب أصبحت اليابان قوة عظمى. أين الدول الأفريقية من هذا بعد أن حصلت على استقلالها بعقود عدة؟ تم نهبها من قادتها وساءت أوضاعها. فلا تحدثونا الآن عن الاستعمار ولكن دعونا نتحدث عن الفساد والنهب ومسئولية الحكومات الأفريقية. بالطبع أنا أختلف مع وجهة نظره هذه. ولكنه رجل شجاع وصادق.

ترى هل لدينا رؤية سياسية واضحة للتعامل مع الواقع الثقافى الفرنسى الجديد؟.. أم أن الثقافة المصرية الآن مشغولة فقط بمعركة اليونسكو؟

خالد الخميسي  كاتب مصري