الفخ المنصوب لنا - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفخ المنصوب لنا

نشر فى : الأحد 8 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 8 أبريل 2012 - 8:00 ص

لقد وقع الشعب المصرى فى الفخ المنصوب له من أصحاب القوى والمال والسلطة وتابعهم الإعلام، وأصبح لا يتحدث إلا فى الانتخابات الرئاسية القادمة وكوارث البرلمان وكتابة الدستور. وبالطبع يخلص الناس بعد جدال فى هذه الموضوعات الثلاثة أن المطالب الثورية ماتت والبقاء لله وحده، وأن الغد مجهول والأزمة المالية سوف تفتك بالوطن. فقراءة المضابط والأسئلة والمطالب «الثورية» داخل قبة البرلمان لنواب الحرية والعدالة وحزب النور كافية جدا لإدراك أن «تغيير النظام والعدالة الاجتماعية والحرية» أصبحت أبعد عن الشعب مما كانت عليه منذ عامين مع تيار سياسى غالب شديد التخلف والرجعية، ومتعاون تماما مع رجال النظام القديم الذى تبنى سياسات ضد مصالح الأغلبية الفقيرة. كما يكفى أيضا متابعة الأسماء المرشحة للفوز فى الانتخابات الرئاسية القادمة لنرى أنها كلها أسماء إما تنتمى للنظام القديم أو أسماء تنتمى لفصيل الرجعية اليمينية المتحدثة باسم الدين. الأمر الذى يجعل المصريين الذين شاركوا فى الثورة المصرية فى حالة إحباط شديد، وشعور بالعجز مصحوب بانتكاسة نفسية مرتبطة برؤية ضبابية عن المستقبل القريب. لقد نجحت خطة المتآمرين على الثورة المصرية بنجاح كبير وأصبح العديد من المصريين لا يروا نورا فى نهاية النفق، وأصبحوا فى حالة ضعف تجعلهم يرضون بالكوارث الآدمية الظاهرة فى الأفق القريب.

 

•••

 

هل هذه الصورة القاتمة هى الصورة الحقيقية للمجتمع المصرى الآن؟

 

بالتأكيد هذه ليست الصورة الوحيدة، ولكنها الصورة التى ترغب قوى الثورة المضادة ألا نرى غيرها. أما الصورة المضيئة فهى حاضرة وواضحة المعالم ولكنها الآن ممنوعة من البيان. سوف أذكركم بها فى هذا المقال. وكلها حقائق معروفة ولكن فى الإعادة إفادة:

 

• ما بدأ فى 25 يناير 2011 لم يكن قطيعة عما سبقه من أحداث، وإنما كانت هذه الثورة عملية تاريخية استثنائية داخل حراك اجتماعى وسياسى ونضالى استمر لسنوات طويلة. تضافرت خلالها الخبرات فى الاحتجاج السياسى وفى الاعتصامات المهنية وفى التكتلات عبر وسائط الفضاء الالكترونى وفى الإضرابات العمالية والتظاهرات الاجتماعية. هذا الحراك الذى تنامى بهدوء عبر سنوات، مستمر فى التنامى بعد 25 يناير 2011 بمعدلات سريعة وحاسمة فى اتجاه تغييرات فى الوعى الجمعى فيما يخص ظاهرة الاحتجاج الاجتماعى. ويمثل هذا الحراك قلب الفعل الثورى المستمر.

 

• سارت المواطنة ــ أى العلاقة السياسية بين الفرد والدولة ــ فى طريق طويل استمر لأكثر من قرن من الزمان. وقد شهد الطريق منحنيات وعوائق وصعود وهبوط، ولكنه ومنذ بدء الثورة المصرية بدا للجميع أن مفهوم المواطنة بات راسخا، وأن الفرد أصبح مدركا فرديته ومن ثم حريته ومسئوليته فى المشاركة السياسية.

 

• كان للمجتمع المدنى فيما يخص الدفاع عن حقوق الإنسان دور مهم فى ضفيرة النضال من أجل التغيير. وقد شهدت المنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق الانسان طفرة فى أدائها منذ الثورة المصرية وحتى الآن، وعلى الرغم مما تعرضت له هذه المنظمات من حرب منظمة من السلطة السياسية إلا أنها استمرت تلعب دورها المهم فى النضال الحقوقى.

 

• يعد كسر حاجز الخوف من الآلة القمعية المصرية الجبارة إنجاز يوازى عظمة اختراع البخار. وهو ما يستكمل دائرة الفرد ــ المواطن ــ الجماعة.

 

• ظهور النقابات المستقلة وبدء العمل فى تشكيلها وأدائها لأدوار حيوية فى اتجاه تغيير المجتمع المصرى للأفضل. وقد قابلت بعض المسئولين عن هذه النقابات وسوف أكتب مقالا تفصيليا عن إحدى هذه النقابات، التى تسعى كلها للدفاع عن المهنة وعن الاقتصاد المصرى فى خضم فوضى «غير خلاقة» من ترسانة القوانين المنظمة للعمل فى مصر. ولا يمكن الحديث عن الاقتصاد المصرى دون الحديث عن قوة العمل، ولا يمكن الحديث عن قوة العمل فى مصر دون الحديث عن الجهود التى يمكن وصفها بالثورية فى إعادة تشكيل آليات العمل الجماعى المهنى.

 

• تفجر المبادرات الثقافية والفنية والعلمية التابعة للمجتمع المدنى وللجماعات المستقلة. من تظاهرات فنية كالفن ميدان، أو عروض فى الفضاء العام كمعارض فن الجرافيتى فى الشوارع أو مسابقات مسرحية أو عروض حكى أو ندوات ولقاءات فكرية وعلمية والكثير غيرها. كل هذه المبادرات ــ التى يديرها فى معظم الأحيان شباب ــ تشكل جوهر الحراك الثقافى الثورى المستمر. هذا الدور الثقافى هو رافد أساسى لنهر الثورة المصرية.

 

• الثورة المصرية ثورة ما بعد حداثية. مشرذمة وبلا قيادة وغير مركزية ومعادية للتراتبية السلطوية وللنظام الأبوى. كتبت منذ فبراير 2011 وكتب العديد من الكتاب أن الثورة المصرية ثورة اجتماعية، ولكى تتحول إلى ثورة سياسية فإنها تحتاج إلى عقد من الزمان على أقل تقدير. والقوى السياسية والمالية القائمة سوف تنتصر على المدى القصير كما انتصرت بعد الثورة الفرنسية والثورة الألمانية 1917 وغيرهما العديد من الثورات. ما كتبه العديد من الكتاب منذ أكثر من عام، نحن نعيشه اليوم. وبالتالى فالحالة السياسية القائمة منطقية وطبيعية، وانتصار قوى الثورة المضادة بديهى فى إطار علاقات القوة القائمة إقليميا ودوليا.

 

• صحوة الطبقة المتوسطة المصرية المتمركزة فى المدن الكبرى هى صحوة غير قابلة للارتداد. وسوف تستمر حتى تنتصر الثورة بتغيير بنية النظام السياسى والاقتصادى.

 

• الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة والتى بدأت فى عام 2008 هى أزمة فى بنية النظام الرأسمالى. وسوف تلقى هذه الأزمة بظلالها على التوازنات الجيو سياسية فى الكوكب. مما سوف يؤثر على التوازنات السياسية والاقتصادية داخل الإقليم العربى خلال السنوات القادمة فى صالح الثورة المصرية.

 

وبالتالى فإن الحالة السياسية المتردية التى نعيشها من جراء سيطرة قوى يمينية رجعية معادية للثورة بالتعريف والبديهة، هى حالة غير مقلقة فى حد ذاتها. ولكن المقلق أن نتعامل مع الحالة السياسية باعتبارها الأمل والمنتهى. فملعونة الانتخابات الرئاسية القادمة إذا منعتنا من رؤية المشهد العام للوطن اليوم، وإذا منعتنا من الفعل فى مشروع إنجاز تغيير النظام. فالمطلوب الآن العمل على إعادة البناء الوطنى بعد تجريف كامل للعقل استمر لأربعة عقود. وإعادة البناء هذه لن تتم إلا بمشروعات بنية تحتية. مشروعات طويلة الأمد. مشروعات بناء العقل المصرى.

 

•••

 

أين ينتهى السياسى وأين يبدأ الثقاف»؟

 

هذا هو السؤال المحورى اليوم. وإجابته واضحة. ينتهى السياسى عندما لا تمتلك القوى الثورية أدوات للفعل السياسى فى ضوء توازنات القوى القائمة. ويستكمل الثقافى دوره فى تحضير الأرض لعملية التغيير.

خالد الخميسي  كاتب مصري