عنف ضد المستقبل - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عنف ضد المستقبل

نشر فى : السبت 27 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 27 أبريل 2013 - 8:00 ص

الذى يسير فى الطرق الفرعية بين قرى دلتا مصر، لا يحتاج إلى أى جهد لاكتشاف الجريمة الكاملة التى باتت واضحة للعيان وماثلة أمام الجميع، حيث بدأت الرقعة الزراعية فى التوارى والانسحاب أمام هجمات متوحشة من الطوب الاحمر والابيض، وايضا لن يحتاج أحد لبذل أى مجهود لفهم ان بعض هذا الطوب ما هو الا إثبات حالة وحجز مكان للبناء على الارض الخضراء، وكل ذلك يدور فى عملية شبه منظمة، لأن كثيرا من هذه الحالات فازت بالفعل بتوصيل الكهرباء رغم ان انها خالية تماما من السكان.

 

هذه الجريمة المنظمة، بعيدة تماما عن الدولة التى لم تتحرك حتى الآن لوأد الفكرة أو مطاردة من يفعل ذلك، بل ان الرأى العام يشارك ايضا فى هذه الجريمة بصمت مريب أو بانشغاله بالقضايا المكررة والمكرورة، بينما يمارس الجميع هذا العنف ضد المستقبل.. مستقبل كل شىء.. الغذاء والأرض والبيئة والطاقة والطرق، وكل انواع المستقبل القريب والبعيد، فلأن الدولة غائبة او متواطئة حتى تمر الانتخابات البرلمانية وحتى لا يغضب السادة الناخبون من حكومتهم المنتظرة، فكل يفعل ما يهدد المستقبل بكل بساطة وسهولة ويسر، وبالطبع لا يجد من يمنعه من فعل اى شىء، وإذا كان مفهوما للجميع ان ما يحدث يهدد الثروة الزراعية والحيوانية، فإن بعض الامور لا يلتفت إليها الكثيرون، وفى مقدمتها ان هذا الطوب الاحمر (والابيض احيانا لرخص سعره) بات واقفا على حافة الطرق الاسفلتية منتهكا بجسارة مدهشة حرم اى طريق، بما سيمنع اى محاولة لتوسعته اذا اقتضت الحاجة ذلك، بمعنى ان الذى ألقى ببعض الطوب على حافة الطريق هو الذى خطط للمستقبل وقرر ان تكون الطرق ضيقة ملتوية لا امل فى اصلاحها يوما ما.

 

إن ما يحدث يكشف جريمة أجهزة الدولة تجاه هذه الازمة، فالتعدى على الاراضى الزراعية مسئولية العديد من الجهات، من الزراعة والمحليات إلى الكهرباء والماء، والمدهش ان هذا يحدث تحت سمع وبصر الجميع ولم يحرك أحد ساكنا، بل ان البعض يتغاضى عن ذلك بحثا عن رضا هؤلاء المخالفين، وهناك من يسرب ان الحكومة الجديدة (التى ستأتى بعد الانتخابات) ستعفو عن كل هذه الجرائم وتتصالح معهم تحت دعاوى ان السكن من حقوقهم المهدرة، وبالطبع كل ذلك مفهوم فى اطار اللهث وراء الاصوات فى الانتخابات المقبلة، وبالمناسبة ايضا فإن احد المرشحين الرئاسيين كان فى مقدمة وعوده العفو عن كل من تعدى على هذه الاراضى، فهذه الجريمة ترتكب بانتظام منذ الليلة الاولى لثورة يناير.

 

ما يحدث اغتيال صريح للمستقبل، وفى المقدمة من ذلك مستقبل سكان هذه القرى، حيث سيصعب بعد ذلك تعديل اى أوضاع او ضبط الطرق، أو اعادة تخطيط اى شىء، لكن ما نفهمه ونعرفه جيدا أن من وظائف الدولة حماية كل مواطنيها بما فى ذلك حمايتهم من انفسهم إذا اقتضى الأمر، كل ذلك يحدث ونحن نتحدث ليل نهار عن ضرورة الاكتفاء الذاتى من الغذاء بينما الأرض التى ستنتج هذا الغذاء تتسرب وتتلاشى أمام اعيننا، وإذا كنا نملك الحاضر.. فماذا ستقول عنا الأجيال القادمة التى اغتلنا مستقبلها؟

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات