كيف يمكن تجاوز العقبة الإخوانية فى التنسيق بين المعارضة؟ - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 9:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف يمكن تجاوز العقبة الإخوانية فى التنسيق بين المعارضة؟

نشر فى : الإثنين 26 أبريل 2010 - 9:53 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 أبريل 2010 - 9:53 ص

 فى الوقت الذى تتوالى فيه السياسات والمواقف التى يتخذها الحزب الوطنى الحاكم من أجل إحكام سيطرته على البلاد فى عامى الانتخابات الحاسمين، لا تزال قوى المعارضة غير قادرة على التنسيق فيما بينها لمواجهة هذين العامين ولا ترتيبات الوطنى الواضحة لكل ذى عين. ولاشك أن عدم قدرة قوى المعارضة على استكمال التنسيق وتوحيد المواقف والتوجهات العملية تجاه الاستحقاقات الانتخابية القادمة له أسبابه العديدة التى لا تبدو خافية على أحد، إلا أن ما يثير التعجب هو عدم وجود سعى جدى من جانب عدد منها لتجاوز وعلاج هذه الأسباب، بل إن البعض الآخر يبدو ساعيا إلى عكس هذا تماما بتعميق نقاط الاختلاف وتضخيم قضايا التمايز فيما بينها.

والواضح من تأمل حالة «الكر والفر» التى تمر بها محاولات التنسيق بين قوى المعارضة خلال الفترة الأخيرة وفى كل المرات السابقة التى طرحت فيها هذه المهمة، أن جماعة الإخوان المسلمين تمثل أبرز العقبات التى تواجه التنسيق الجدى بين قوى المعارضة. ولا يعنى هذا التشخيص أن الجماعة هى سبب تعثر محاولات التنسيق وتوحيد المواقف بين قوى المعارضة، وإن كان هذا صحيحا فى بعض الحالات، بل يعنى أن خصائص محددة لها وقضايا عديدة مرتبطة بها هى التى تحولت إلى أحجار عثرة حقيقية أمام التنسيق الواجب. ويعنى هذا أنه يجب التمييز عند معالجة دور الإخوان فى نجاح أو فشل التنسيق بين قوى المعارضة بين عوامل «موضوعية» ترتبط بوضع الإخوان مقارنا بأوضاع قوى المعارضة الأخرى لا دخل ولا إرادة للإخوان فيها، وبين عوامل «ذاتية» ترتبط بمواقف وسياسات اتخذها الإخوان بصورة واعية وتسبب ــ ولا يزال ــ البعض منها فى تعويق التنسيق بينهم وبين بقية قوى المعارضة الأخرى.

فأما عن العوامل الموضوعية فإن أولها ذلك التباين بين تطور حجم ونفوذ الإخوان فى المجتمع المصرى خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة وبين تطور أوضاع بقية القوى السياسية من نفس الزاوية. فلاشك أن مسارى التطور كانا متضادين بصورة واضحة، حيث عرف الوجود السياسى للإخوان سواء البرلمانى أو الجماهيرى أو النقابى صعودا متواصلا طوال تلك السنوات، على الرغم من هبوطه فى بعض الأحيان وبعض الفترات، بينما عرفت بقية قوى المعارضة وبخاصة الحزبية منها هبوطا أيضا واضحا فى وجودها فى كل المجالات السابقة تقريبا. والواضح أن هذا التناقض فى تطور الوجود السياسى قد لعب ــ ولا يزال ــ دورا رئيسيا فى بناء جدار عال من العزلة بين الإخوان وبقية القوى المعارضة تشكلت لبناته من نوعين من المشاعر لدى الطرفين: فلدى الإخوان، بدا أن هناك ثمة إحساسا راح يتنامى بداخل صفوفهم بالاستغناء عن التنسيق مع قوى المعارضة الأخرى نتيجة قوتهم المتصاعدة ونتيجة ضعفها المتواصل، ومن ثم فقد تراجعت المحاولات الجدية من الجماعة للسعى لهذا التنسيق. أما لدى قوى المعارضة، فقد تنامت مشاعر التخوف من الإخوان نتيجة صعودهم المتواصل بمفردهم دون أى تنسيق جدى مع هذه القوى، وهو ما دفع قياداتها إلى اعتبار محاولات التنسيق مع الإخوان جهدا «ضائعا» لا يجب التورط فيه لأنه سيكون فى النهاية لصالح مزيد من صعودهم وتراجع قوى المعارضة الأخرى.

أما ثانى العوامل الموضوعية فهو يختلط فى الحقيقة ببعض العوامل الذاتية التى تأتى من داخل بعض القوى المعارضة فى معظم الأحيان ومن داخل الإخوان فى بعضها، وإن كان مصدره المباشر هو الحزب الوطنى وحكومته. فلاشك أن جهدا هائلا بذله ويبذله الحزب وحكومته من أجل إفساد أى محاولات للتنسيق بين قوى المعارضة عموما وبينها وبين الإخوان خصوصا إدراكا منه لخطورته على أوضاعه فى المجتمع المصرى، مستخدما فى هذا كل ما يملكه من إغراءات يقدم معظمها لقوى المعارضة ومن تهديدات توجه غالبيتها للإخوان. وليس هناك من شك أيضا فى أن محاولات الوطنى لإفساد التنسيق وتخريبه قد لاقت فى عديد من الأوقات صدى إيجابيا لدى بعض قيادات بعض من قوى المعارضة التى سعت إلى تبرير ذلك بحرصها على مصالح أحزابها وتنظيماتها وعلى رؤاها الفكرية والأيديولوجية المختلفة مع رؤى الإخوان. ومن الواضح فى التفاعلات التى تجرى حاليا على ساحة المعارضة المصرية أن محاولات الحزب الوطنى وحكومته لإفساد وتخريب جهود التنسيق بين الإخوان وقوى المعارضة الأخرى قد تكثفت بشدة وراحت تلعب دورا رئيسيا فى تعويقها وتعثرها.

أما عن العوامل الذاتية المعوقة لجهود التنسيق والقادمة من داخل الإخوان المسلمين فهى ترتبط بصورة مباشرة بأمرين لا ثالث لهما. الأول، هو ما يثيره عدد من قوى المعارضة ــ وبعضها عن حق ــ حول الخبرة السلبية التى حاقت بتجربة التنسيق بينهم وبين الإخوان فى انتخابات برلمان 2005 فى عديد من الدوائر الانتخابية كان أهمها دائرة كفر شكر بالقليوبية حيث رفض الإخوان التنسيق مع حزب التجمع وأسقط مرشحهم زعيمه والرمز السياسى التاريخى الأستاذ خالد محيى الدين. ويستعين بعض من قادة المعارضة بتجارب أخرى يرونها فاشلة للتنسيق مع الإخوان سواء فى النقابات المهنية أو حتى فى الاحتجاجات الجماهيرية كما حدث خلال العامين السابقين على الأقل. أما العامل الذاتى الثانى فيخص رؤى ومواقف الإخوان تجاه بعض القضايا الرئيسية التى ترى بقية قوى المعارضة أنها إما تتعارض جذريا مع ما تتبناه أو أن الإخوان غامضون تجاهها بما يثير الشكوك والتخوفات من التنسيق معهم. وتتحدد هذه الرؤى والمواقف بصورة شبه حصرية فى طبيعة الدولة المدنية التى يجب قيامها فى مصر وفى المساواة بين جميع المصريين فى الحقوق والواجبات وتولى جميع المناصب فى الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية وبخاصة للأقباط والنساء. وقد تعاظمت تلك التخوفات من الإخوان فى السنوات الأخيرة نتيجة لما تضمنه مشروع برنامج حزبهم من رؤى ومواقف تجاه هذه المسائل رأى فيها معظم المعارضين والمحللين تجاوزا لما يجب أن تكون عليه القواعد المنظمة للحياة السياسية فى مصر.

والحقيقة أنه إذا صح التشخيص السابق لأزمة التنسيق بين قوى المعارضة والإخوان المسلمين فى عامى الانتخابات الحاسمين، فإن الأمر يتطلب مجموعة محددة من الإجراءات التى يجب أن تتخذها الأطراف المختلفة من أجل الوصول إلى درجة مناسبة من التنسيق لمواجهة ما يخطط له الحزب الوطنى الحاكم وما تمر به البلاد من منعطف سياسى خطير. وفى هذا السياق فإن الدور الرئيسى لتجاوز العقبات الموضوعية والذاتية السابق ذكرها يبدو منوطا بصورة مباشرة بجماعة الإخوان المسلمين أيضا لموقعها فى نفس العقبات والعوائق.

وقبل كل شىء فلابد من الإشادة بالجهد الذى تبذله الجماعة حاليا من أجل إقامة الجسور مع مختلف القوى المعارضة وبخاصة الحزبية منها، وهو ما يحتاج إلى استكمال محدد بهدف إزالة أكبر قدر من الشكوك والتخوفات وأيضا الحجج التى يرفعها بعض قادة المعارضة لرفض التنسيق معهم. وهنا تبدو المهمة واضحة ومحددة بالنسبة للإخوان، فعليهم أن يصدروا وبصورة عاجلة وثيقة سياسية تتضمن رؤية محددة وحاسمة فيما يخص مدنية الدولة فى مصر فى ظل دستورها الحالى وحق كل المصريين دون استثناء فى التمتع بنفس الحقوق والواجبات بغض النظر عن الجنس والديانة وفى مقدمتها تولى منصب رئاسة الدولة والقبول الحاسم بتداول السلطة السلمى عبر الانتخابات النزيهة الحرة. وقد يحتج بعض الإخوان بأنه سبق لهم التأكيد على نفس هذه الأمور فى وثائق سابقة، إلا أن هذا لا يمنع من صدور وثيقة جديدة تؤكد عليها من جديد وتوضح بصورة لا لبس فيها انحيازهم لمدنية الدولة والمساواة بين جميع المصريين. أما الأدوار الأخرى الأقل مركزية فى الدفع نحو التنسيق فهى ملقاة على عاتق قادة قوى المعارضة غير الإخوانية، خصوصا من يتمتع منهم بدرجة معقولة من الثقة والعلاقات الطيبة مع الإخوان ومع قادة قوى المعارضة الأخرى، لكى يقوموا بتفكيك الهواجس والمخاوف والشكوك التى توجد لدى الطرفين من التاريخ السلبى السابق لمحاولات التنسيق.

ولابد عند سعى الإخوان لإزالة المخاوف والشكوك وهؤلاء القادة المعارضين لبناء الجسور أن يدركوا جميعا أن الحقيقة التى يجب على الجميع الاعتراف بها فى هذا الوقت الحرج الحساس من تاريخ بلادنا هى أن خبرة الأعوام الثلاثين الماضية تؤكد أنه لا توجد قوة واحدة من القوى الوطنية المعارضة الرئيسية تستطيع وحدها إنقاذ هذا البلد والعبور به نحو بر الأمان. فكل التيارات والقوى سواء فى الأحزاب المعارضة أو الإخوان أو الجماعات الاحتجاجية الجديدة أو الجمعية الوطنية للتغيير أو غيرها تعلم أكثر من غيرها أن بعضها يفتقد الأفكار الصالحة للحكم ــ أو الإنقاذ ــ المنفرد وأن بعضها الآخر يفتقد العدد الكافى من الناس المؤمنين بأفكاره والمستعدين والمؤهلين لمثل هذا الحكم أو الإنقاذ منفردا. إن خطورة ما يجرى فى أرض الكنانة اليوم توجب على جميع القوى والتيارات الحقيقية المصرية الاعتراف بعجز كل منها وحده عن إنقاذ هذا البلد فى وقت هو أشد ما يكون فيه حاجة لمن ينقذه، وأن تقر بحاجتها إلى القوى والتيارات الأخرى لإنجاز برنامج حقيقى وعاجل للإنقاذ.

وبغض النظر عن تفاصيل هذا البرنامج التى يجب أن تكون محلا لحوار واسع متواصل بين كل قوى المعارضة، فلابد أن يتسم بخصائص ثلاث: الأولى، أنه يمثل الحد الأدنى الذى تتفق عليه القوى الوطنية الرئيسية فى مجال الإصلاح السياسى وحده دون غيره فى اللحظة الراهنة. ثانيا، أن يكون ممكن التنفيذ وضمن مخطط زمنى واضح ومتفق عليه، فليس المقصود هنا وضع برنامج يعبر عن الحدود القصوى لكل من تلك القوى والتيارات كما تضعها فى برامجها الخاصة بغض النظر عن إمكانية وسرعة تطبيقها، بل المقصود منه أساسا إمكانية التطبيق وسرعته. ثالثا، أن يمثل هذا البرنامج وبنوده التفصيلية قاعدة ضرورية وأولية يمكن البناء عليها مستقبلا، وأن يكون بمثابة بوابة واسعة ومفتوحة لمزيد من البرامج المستقبلية ليس فقط فى مجاله الرئيسى، أى الإصلاح السياسى، بل فى جميع المجالات الأخرى التى هى فى أشد الحاجة أيضا للإصلاح والإنقاذ.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات