جبال بورسعيد الثلاثة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 10:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جبال بورسعيد الثلاثة

نشر فى : الثلاثاء 26 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 فبراير 2013 - 8:00 ص

١ــ جبل التاريخ

 

حينما قرر فنان السينما الكبير فطين عبدالوهاب تصوير فيلمه «إشاعة الحب» فى مدينة إقليمية، وفقا للأحداث، اختار بورسعيد، لتسجل لنا عين المصور كمال كريم مدينة بديعة هادئة وادعة طيبة، متحضرة راقية نظيفة جميلة، سمة أهلها العمل والتفوق، وتحقيق نجاحات من الصفر للقمة (خلفية بطل الأحداث يوسف وهبى)، وظلت صورة المدينة ماثلة فى أذهان الكثيرين عبر مشاهد هذا الفيلم البديع.

 

وبورسعيد كما يراها علماء الجغرافيا، تلخيص لفكرة عبقرية المكان، كما كتبها مفكرنا الكبير جمال حمدان، قناة وبحر وبحيرة، وقارتان (آسيا وأفريقيا) تطل بذكاء على حوض البحر الأبيض المتوسط، وتتمركز كواجهة للدفاع عن مصرها فى حالة أى غزو، أما المؤرخون فكتبوا صراحة أنها المدينة الباسلة الصامدة، حتى فى مواجهة القوة العالمية الثلاثية (إنجلترا وفرنسا وإسرائيل) وهؤلاء المؤرخون سجلوا كثيرا قصص بطولات لا يصدقها عقل، ولا يستوعبها منطق إلا حينما نعرف أن البطل: بورسعيدى.

 

عبدالناصر اختارها ليعلن أول قراراته الثورية ضد العالم بتأميم قناة السويس، وإعادتها كشركة مصرية، فحفر لبورسعيد اسما على خريطة الثورة المصرية، وكان الدفاع عنها عنوان خطابه الشهير من على منبر الأزهر (هنحارب) وذهب شباب وفتيات مصر للدفاع عن المدينة المحاصرة حتى توحدوا بالغناء انتصرنا انتصرنا.. وحينما لامست النكسة أطراف المدينة وتدنست بجنود غزاة جدد، قاد عبدالناصر بنفسه عمليات تهجير أهلها، حتى يجد كل مواطن بورسعيدى مقرا مؤقتا يمارس منه النضال حتى العودة والتى تحققت سريعا.

 

السادات رأى أنها مدينة تعذبت، لذا قرر تعويضها بإعلانها مدينة حرة من أجل محاولة أن يرتاح أهلها بعض الشىء ويعرفون رغد العيش بعد سنوات طويلة من الجهاد، فأصبحت مدينة الانفتاح، وحينما حاول أبوالعربى (أشهر شخصيات المدينة) أن يشكو لرئيسه مبارك، قتله الحرس، أو هذا على الأقل ما يتداوله أهالى المدينة الباسلة، فقرر الرئيس السابق عقابها بسحب ميزة المدينة الحرة منها، فعادت من جديد.. مدينة باسلة وكفى، فشظف العيش ليس غريبا عنهم، والمعاناة جزء من تفاصيل الحياة اليومية عندهم، كما أن الانفتاح لم يمنحهم سوى المزيد من الفقر والعوز والتسرب من التعليم كما يشير تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة (تقرير عام ٢٠٠٨).

 

الآن لا يرى من يدير شئون البلاد، من جبل تاريخ هذه المدينة، سوى أنها ترغب فى العودة لتكون مدينة حرة، للدقة مدينة تجارية حرة، بينما يهتف لنا تاريخ هذه البقعة إنهم يبحثون عن حرية من بعد ظلم، وكرامة من بعد امتهان، وحق دماء شباب ضاعت دون أن يعرفوا لذلك مبررا، المدينة لم تطلب حرية التجارة، المدينة تبحث عن حقها وعن اعتذار واجب لما صدر فى حقها باعتبار أن المركز (القاهرة بساستها وإعلامها) عزفوا طويلا على نغمة أنها مدينة بلطجية، دون أن يفكروا ولو للحظة أنها مدينة البواسل التى مازالت تحرق اللنبى كل العام اعتزازا بقهرها وانتصارها على المحتل، فبورسعيد لم تطلب سوى العدل و«طبطبة» حانية من يد نظام مازال يتجاهلها حتى الآن.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات