مدرس اللغة العربية والتربية الإسلامية - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 11:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدرس اللغة العربية والتربية الإسلامية

نشر فى : الأحد 25 أكتوبر 2009 - 4:13 م | آخر تحديث : الأحد 25 أكتوبر 2009 - 4:13 م

 أبنائى فى الصف الثانى الإعدادى. استيقظوا منذ أيام وهم فى حالة نشاط وهمة وتوجهوا إلى المدرسة حاملين معهم ساندوتشات وزجاجة مياه وبعض الكتب. دخلوا بعد أن ضرب الجرس إلى فصلهم. كانت الحصة دين إسلامى. وقف المدرس وبنفس الهمة التى استيقظ بها أبنائى قال لهم ما معناه أن كل الديانات التى سبقت الإسلام تم إلغاؤها بظهور الإسلام. وكل من ينتمى إلى الديانتين اليهودية والمسيحية لا يحصل على حسنات وإنما يراكم فقط السيئات، أما الحسنات فيحصل عليها فقط المسلمون.

فالمسيحيون إذن لن يدخلوا الجنة. وجم التلاميذ. أدركوا لأول مرة أن زملاءهم وأصدقاءهم المسيحيين لن يدخلوا معهم الجنة بغض النظر عن طبيعة أعمالهم، خيرة كانت أم شريرة. لماذا لا يحصل غير المسلم على حسنات؟ تذكر أبنائى أن نفس هذا المدرس قد اقترح على التلاميذ فى الأسبوع السابق أن يكتب كل منهم فى جدول مقسّم إلى حسنات وسيئات ما اقترفه من آثام وفى مقابلها يكتب كل تلميذ ماذا فعل بصلاته، وأمام خانة الصلاة هناك أربع احتمالات: حاضر ــ قضاء ــ فرض وسنة ــ لم يصل. وسأله التلاميذ ولم لا يكتبون عن حسنات قاموا بها من قيامهم بواجبات منزلية أو مذاكرة أو فى مقابل السيئات، فرد قائلا: الصلاة هى حسناتكم الوحيدة، من المنطقى إذن ألا يحصل المسيحيون على حسنات.

ماذا يتصور هذا المدرس الفاضل أنه فاعل فى نفسية هؤلاء الصبية وهو يزرع فى أرواحهم بذور الفرقة مع زملاء فصلهم علما بأن نسبة كل من الديانتين متساوية فى الفصل تقريبا؟.. هل يقوم هذا المدرس بزرع سمومه بقصدية ودم بارد مدفوعا بأوامر محددة من قيادات تسكن الصحارى؟..

هل يتم تمويل هؤلاء المدرسين لهدم جدار الوطن الذى نسكن إليه؟.. لا أظن. فهذا المسكين سكنه الجهل وتربعت فى صدره رياح الخماسين. هذا المدرس جاء ليستكمل طريقا قد بدأه زملاؤه من المدرسين قبله بسنوات. فأبنائى وهم فى الصف الثانى الابتدائى أى منذ ستة أعوام وفى درس اللغة العربية تسلموا ورقة مطبوعة بها معانى الكلمات، والكلمة وضدها، وكتب المدرس آنذاك أن المسلم ضده المسيحى. وانتهى الأمر ودون علم هذا المدرس إلى معركة قامت فى الفسحة بين الأضداد. واستمر المدرسون واحدا بعد الآخر وعاما بعد الآخر يزرعون بلا رحمة أحط الآراء على الإطلاق فى نفوس أبنائى. مدرسة اللغة العربية فى العام السابق كان لها مع أبنائى صولات وجولات وفتاوى عن الحجاب والسافرات المتبرجات وكلها كانت تصب فى نفس الخانة، مشاعر فرقة مع كل ما يختلف عما تراه فى مرآتها صباحا قبل أن تخرج من باب شقتها.


فى كل مرة نكتفى بالشكوى على أساس أن على المدرس الالتزام بالمقرر المدرسى وعليه ضرورة أن يكتفى بتدريس ما جاء فى كتب الوزارة وأن يرحم التلاميذ من سيلان فتاويه التى لا تنقطع فى كل أمور الدنيا والدين. وإدارة كل مدرسة تتساءل عما يمكن أن تصنعه مع هؤلاء المدرسين. نصرخ فى وجه من يدير المدرسة أن الفجوة باتت مجنونة بين الدستور وترسانة القوانين والعقلانية وحديث المواطنة من ناحية وأداء مدرسى أبنائى من ناحية أخرى. وكانت مديرة المدرسة السابقة لأبنائى تردد دائما: أن مستوى المدرس ينخفض عاما بعد الآخر مثله مثل حال المجتمع والاقتصاد ومكانة مصر إقليميا ودوليا وأنها لا تجد أكفاء فى هذا المجال.

يا وزارة التربية والتعليم كيف يمكنكم السيطرة على سيل الفتاوى على ألسنة مدرسيكم؟.. كيف يمكن أن تجعلوا من كل مدرس إنسانا يلتزم بما جاء فى مقرر وزارتكم؟.. كيف تمنعوه من تشويه أرواح مستقبل هذا البلد؟.. الفتنة الطائفية أصبحت بفضل وزارتكم الموقرة حقيقة دامغة فى مجتمعنا المصرى. الفرقة والكراهية والغباء واللاعقلانية والتخلف المقيت أصبحت حقائق الساعة فى عقول تلاميذ اليوم لأن هذا المدرس هو صانع عقولهم. الإنجاز والتقدم العلمى والانفتاح على الأفكار وعلى العالم والتجريب والنقد وإعمال العقل والشك كلها رجس وإقامة الصلاة هى الحسنة الوحيدة التى على التلميذ الحرص عليها وما عداها باطل.

يا وزارة التربية والتعليم أوقفوا كل مُفتٍ للديار المدرسية.

خالد الخميسي  كاتب مصري