روشتة المواطنة - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 11:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روشتة المواطنة

نشر فى : الأحد 25 سبتمبر 2011 - 8:55 ص | آخر تحديث : الأحد 25 سبتمبر 2011 - 8:55 ص

بعد ما تردد مصطلح «سلبية المواطن المصرى السياسية» على ألسنة «أشباه المثقفين المصريين» لعقود طويلة، تغير الأمر بعد الثورة وبات المصرى ــ بعد أن اكتسب يقينا قدرته على إحداث تغيير فى الشأن العام ــ يبحث عن طريق ليكون ايجابيا.سألنى العديد من الشباب سؤالا مباشرا: ماذا يتوجب علينا فعله اليوم للنهوض ببلدنا؟ وفى كل مرة كنت أستمع فيها إلى هذا السؤال كان يدور بخلدى هذا المشهد الذى عشته منذ شهور قليلة فى مدينة ميونيخ الألمانية. فقد كنت أسير مع قريبة لى تعيش فى ألمانيا وسط حشد من الناس، توقفت فتوقفت إلى جانبها. كنت مشغولا بالحديث مع قريبتى هذه حتى استمعت فجأة إلى صراخ امرأة يأتى من يمينى. نظرت ملتاعا فوجدتها امرأة تخطت السبعين من العمر تمسك فى يدها بعصا وتنظر بحدة إلى رجل فى حوالى الخمسين يقطع الشارع وتلوح له بعصاها. نظرت إلى الرجل فوجدته يتردد فى سيره وقد تخطى تقريبا الشارع وهى ما زالت فى حالة صراخ ترتفع حدته وتلوح له بيدها الأخرى علامة أن يعود أدراجه. ولأننى لا أتحدث الألمانية فلم أفهم شيئا مما يدور. سألت قريبتى فقالت لى أن المرأة تطلب من الرجل العودة لأنه قطع الطريق ولون إشارة مرور المشاة حمراء. وأن ممنوع عليه القيام بهذه الفعلة الشنعاء. وبالفعل عاد الرجل مطأطأ الرأس، وحاول أن يعتذر إلى المرأة، ولكنها أشاحت بوجهها وابتعدت عن هذا المجرم. تصورت أن صراخها أعلى قليلا مما يحتمل الأمر، ولكن ردت قريبتى علىّ بأنه بهذه الجريمة يعرض حياة من تسول له نفسه بتقليده للخطر، فكل شخص هو مثل يمكن أن يحتذى به ضعاف النفوس.

 

كان هذا المشهد يتراءى لمخيلتى لأنه يعبر بدقة عن أول خطوة فى إيجابية المواطن، وهو شعوره بملكية الحيز العام. فهذه المرأة تشعر أن هذا الشارع هو ملك لها ولجميع المواطنين، والقوانين التى تحكمه هى قوانين عليها أن تحميها بنفسها من أى مغتصب، وبنفس الضمير الذى يحتم عليها أن تحمى النظام العام. وهو لا شك شعور يناقض تماما فكرة أن الحيز العام فى الضمير الجمعى المصرى هو ملك للحكومة، ولأن الحكومة عدو فواجب علينا أن نحطم على قدر استطاعتنا هذا الحيز العام.

 

أعود إلى السؤال الذى يلح علىّ: ما هى روشتة الايجابية السياسية والاجتماعية للمواطن فى مصر؟

 

يستتبع الشعور بملكية الفضاء العام مسئولية حمايته والعمل الايجابى والجماعى لتحسين أوضاعه. فكما استطعنا العمل الجماعى لحماية أحيائنا أثناء الثورة، فيمكننا ولا شك العمل الجماعى لحماية الفضاء العام. ولنأخذ مثلا لا يندرج تماما تحت مسمى الفضاء العام ألا وهو مدرسة الأبناء. فنحن ولا شك نستطيع أن نتطوع لمدة ثلاث ساعات فى الشهر لصالح هذه المدرسة. كل يتطوع فى مجال تخصصه المهنى لتحسين حال المدرسة. سوف ينتج عن هذا التطوع حالة فوضى ولا شك إن لم يتم الأمر فى إطار نظام دقيق وهو ما سوف ينتقل بنا إلى النقطة التالية.

 

تنمية ثقافة الحوار والدخول فى مجموعات حوار للعمل الإيجابى. فبالحوار فقط يمكننا إيجاد الأرضيات المشتركة بيننا وبين من نتحاور معهم، الأمر الذى سوف يمكننا أن نصل إلى توافقات حول أولويات الحراك الإيجابى. فبالحوار بين أولياء الأمور ــ والذى يمكن أن يبدأ عن طريق صداقات الأبناء ــ يمكن عمل حوار جماعى مع إدارة المدرسة للسعى إلى تطويرها. وكذلك بالحوار بين أبناء المهنة الواحدة يمكن تحديد أولويات العمل النقابى لحماية المهنة. وكذلك بالحوار يمكن أن نتفق بين الجيران لتنمية الحى الذى نمتلكه جميعنا. ولكن هل بالحوار فقط يمكننا مواجهة كل أشكال الفساد التى تحيطنا؟ الإجابة بالتأكيد بالنفى. وهذا يقودنا إلى النقطة التالية.

 

 توثيق وتدوين ونشر والإبلاغ عن كل الممارسات السلبية التى نراها أو نتقاطع معها. وبالاستمرار فى توثيق ونشر ما نراه من فساد وإفساد أو من سلوكيات تهدد الفضاء العام أو الشأن العام للخطر نكون قمنا بما يطلق عليه «المقاومة الشعبية». وهذه المقاومة الشعبية فى الحالة المصرية أساس من أسس الديمقراطية التى نسعى إليها. وعلينا أن نثق أن النشر حتى لو تم فى أضيق الحدود وليكن فى مدونة غير معروفة فى الفضاء الالكترونى يمكن أن يحدث الأثر المطلوب. فكل جهد لو تكاتف مع مثيله سوف يكون له أكبر الأثر فى إحداث نهضة فى هذا البلد، وهنا يجب أن ندرك جميعنا أن المقاومة الشعبية يجب أن تكون مستمرة ودائمة.

 

الإعلان العام عن انتمائنا الوطنى. فعلى الرغم من شكلية ما سوف أطرح هنا، فإننى أثق أننا نحتاج فى هذه المرحلة للإعلان وبوضوح عن إيجابياتنا السياسية. فأقترح أن يعلق كل منا فى شرفة منزله علم مصر أو شارة أو لافتة تناسبه لاعلان انتمائه الوطنى على الملأ للتأكيد أن ما يجمعنا أكبر كثيرا مما يفرقنا.

 

تأسيس أو الانضمام إلى مجموعة عمل تهدف للتنمية المجتمعية (فى أوسع صورها). وفى هذا الإطار يسعى كل منا إلى نشر معارفه وسط هذه الجماعة. ويحضرنى هنا ما حكته لى ابنتى أن مجموعة من طلاب علم الحاسبات يشتركون الآن فى إعداد برنامج للتصويت الانتخابى الرقمى كبديل عن التصويت القائم حاليا. حوار طلابى أدى إلى اتفاق على عمل مشترك يهدف إلى إحداث نقلة نوعية فى الشأن العام. لكن هل هذا يكفى؟ لا أظن فيمكن ألا تثمر هذه الجهود كما ينبغى أن تثمر. فما الحل؟

 

تأسيس أو الانضمام إلى تيارات أو قوى أو أحزاب سياسية. فالتدريب السياسى أمر مهم ونحن نسعى لتأسيس نظام عام فعال. وفى هذا الإطار وفيما يخص معايير الاختيار يجب أن ندرك جميعنا أن تحويل البشر إلى نجوم ساطعة هو أمر شديد الخطورة. فما يجب الالتفات حوله هو البرامج السياسية والأفكار التى استندت عليها. ولنأخذ مثل سويسرا. فالنظام العام يسير كالساعة كل قطعة تخدم الأخرى فى دقة لا تضاهى. وفى آن الوقت أجد صعوبة فى تذكر اسم أى رئيس لسويسرا إذا كان رئيس الحكومة الفيدرالية أو رئيس البرلمان فى آخر عشر سنوات.

 

نتحدث كثيرا هذه الأيام عن دولة مواطنة. ولكن لا يمكن تصور دولة مواطنة دون مواطن. ولا يمكن الحديث عن هذا المواطن دون هذه الايجابية الاجتماعية والسياسية. أنا على يقين أننا نسير ببطء فى الطريق السليم، وأن المصرى اليوم على أتم استعداد أن يكون مواطنا من الدرجة الأولى الممتازة.

خالد الخميسي  كاتب مصري