العدو المسكين للشعب الغلبان - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العدو المسكين للشعب الغلبان

نشر فى : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 11:27 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 11:27 م

 لا أعتقد أن هناك رجلا استطاع الفوز بمعاداة كل فئات الشعب مثل الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية، بل أقول إنه استطاع أن يتفوق على كثيرين اجتهدوا فى معاداة المصريين طوال السنوات الثلاثين الماضية، منهم عدد لا بأس به من وزراء الداخلية عذبوا وذبحوا بلا حسيب أو رقيب وامتهنوا كرامة هذا الشعب كثيرا، فالسيد غالى استطاع فى سنوات قليلة لهب ظهور الجميع بسياط الضرائب وحواشيها، حتى إن البعض منحه ــ بكل جدارة ــ لقب عدو الشعب الأول..

وهناك من تطرف فى الوصف وقال: إنه «عدوان خارجى».. وفى المقابل، لم تنجح إعلاناته الكوميدية فى تخفيف الوطأة عن الناس، بل أصبحت كوميديا سوداء مكروهة.. وبات بطلها (محمد شومان) فنان غير محبوب، لدرجة أنه ــ أى شومان ــ اعتذر عن عدم استكمال الحملة الإعلانية لما لمسه بنفسه من كراهية الجماهير لما يفعله ويقدمه على الشاشات مساء كل يوم، ووقتها زين رفضه وقدسه بمجموعة من آيات كتاب الله.. تبرر انسحابه من الحملة المشئومة، إلا أنه عاد لأفعاله السوداء (أقصد الكوميديا السوداء).. ربما خوفا من بطش ضرائب عدو الشعب الأول الذى لا يرحم خفيف ظل أو ثقيل دم.. فالكل سواسية أمام مقصلة القضاء.

حتى الموقف الأخير للسيد الوزير فى إضراب الصيادلة (أنا شخصيا غير متعاطف معهم) حينما بادر بالاعتذار والتراجع بدلا من السيد رئيس المصلحة، لم يلتفت أحد إلى هذه البادرة الطيبة من السيد الوزير (يبدو أنه قرار علوى)، ولم يتعامل معها الرأى العام على أنها خطوة سياسية جيدة من مسئول تنفيذى كبير، بل تعامل الجميع مع اعتذار الوزير بأنه تكتيك خادع لمواجهة إضراب الصيادلة ووأده، وباعتبار أن «الحرب خدعة»..

وهذه خدعة جديدة من خدع الوزارة فى حربها الطويلة ضد المصريين، وبالتالى لم يصدق أحد هذا التراجع، خاصة أن السيد رئيس المصلحة لم يتراجع.. إذا فالضريبة قادمة.. قادمة، ولو بعد حين.

والصيادلة، الذين قاوموا بعنف على حساب صحة المواطن المسكين، هم أيضا من المساكين.. مثلهم مثل الجميع الذين تعرضوا من قبل لضربات الضرائب الموجعة.. والتى عرفت أخيرا طريق النيابة والحبس..

وفى أحسن الأحوال الغرامة التى تقصم ظهر أى قوى جبار، والبعض يعتبر الحبس أهون من الغرامة.. والثلاثة إجمالا (الحبس والنيابة والغرامة)) أدوات كافية لردع أى عتيد جبار.. فهكذا شاهدنا زملاءنا الفنانين فى أقوى أدوارهم وهم يطلبون الرحمة من الوزير فى مكتبه، والتجار الشطار يعتذرون، ورجال الأعمال الكبار يتراجعون..

والضرائب تكسب كل يوم أرضا جديدة فى معركتها الباسلة ضد كل طوائف الشعب، حتى الحكومة لم تفلت من الطلقات والقذائف الضرائبية ويكفى شكاوى المسئولين عن الصحف والمؤسسات القومية من عنت الدكتور غالى.. وبالتالى على الجميع أن يستسلم ويدفع.. والقاعدة التى تحكمنا فى حياتنا هى أن تدفع بغض النظر عن ماذا؟!..

تدفع الأكل والشرب والكلام (تليفونات) والركوب والسير.. والنوم والراحة (الضريبة العقارية).. والزواج والطلاق.. والعيال.. والحياة والموت!!

حتى حينما هبت رياح الأزمة المالية العالمية و(رق) قلب عتاة جباة الضرائب فى أربعة أنحاء الدنيا.. لم يهتز جفن السيد يوسف بطرس غالى.. وقرر مواصلة الحرب ضد الشعب الغلبان يطارده فى كل مكان.. فى كل قرش يكسبه أو يسرقه، أو حتى يجده فى الشارع.. المهم الضرائب.. أما الأزمة العالمية فلها رجالها هم أولى بحلها.. وبعيدا عن الضرائب التى هى سيف مصلط على رقاب الجميع فى العناء والرخاء.. فى السلم وفى الحرب، فى المكسب وفى الخسارة.. المهم أن تدفع وبعد ذلك تفهم!!

وهذا العدو الذى يكرهه الجميع، معارضة وحكومة (أرجوكم اقرأوا ما يكتبه عنه الزميل المصرى فى الزميلة الجمهورية).. أراه عدوا مسكىنا وضعيفا ومغلوبا على أمره رغم كل الجبروت الذى نتحدث عنه.. فحقيقة الأمر أن الدولة التى باعت كل ما تملك.. أصبحت لا تملك سوى الجباية لتسيير أمورها.. والحقيقة أن عدو الشعب الأول الدكتور يوسف بطرس غالى يفعل ما يجب أن يتم فعله لتأكل الدولة وتشرب وتمشى وتجلس وتنام وترتاح.. وتحل مشكلات أصدقائها من رجال الأعمال.. لأنه لو لم يفعل.. فلن يعرف أحد ماذا نفعل..

والمشكلة ليست فى هذا العدو المسكين (مثلنا).. لكنها مشكلة النظام الذى باع الأرض.. وفرط فى المصنع وأغلق تجارته.. ووقف أجيرا، بلا مواهب أو قوة، فى سوق النظام العالمى يسأل ربه قوت يومه وقوت يوم شعبه..

وهذه هى المشكلة. فمن يرد أن يتحدث فليتحدث مع النظام الذى باع، ومن يرد أن يغضب فليغضب على النظام الذى دفعنا إلى ما نحن فيه الآن.. وجاء بالدكتور غالى لجلب الضرائب بهذه القسوة..

أما الانتقام من هذا العدو المسكين (الدكتور غالى).. فهو استمرار للمعضلة، واستكمال لمشهد مكرر من فيلم ردىء نعيش فيه منذ سنوات طويلة.. هو فقط يعرض حاليا فى نسخة جديدة، البطولة فيها للدكتور يوسف بطرس غالى الذى كان يهوى التمثيل وهو طالب جامعى.. ولو كان قد احترف هوايته لقام بتمثيل حملة الضرائب، وأدار الفنان محمد شومان أمور مالية مصر.. فربما كانت الحال أفضل..

أما الأخوة الصيادلة.. فهم مثل النظام، يذكروننا بمقولة الراحل العظيم محمود شكوكو:
جرحونى وقفلوا الأجزخانات
لا قالوا لى إزيك.. ولا سلامات!!

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات