الفوضى واحدة - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 6:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفوضى واحدة

نشر فى : الأحد 24 يناير 2010 - 10:16 ص | آخر تحديث : الأحد 24 يناير 2010 - 10:16 ص

 أقتطع هنا مقتطفات من مسرحية «الملك لير» لويليام شكسبير وهو يصف لنا حالة الفساد والفوضى التى سيطرت على أحداث العمل. والمسرحية تم عرضها لأول مرة فى 26 ديسمبر عام 1606 فى لندن بحضور الملك جيمس الأول الذى خلف الملكة إليزابيث الأولى، أى أنها كتبت وعرضت منذ أكثر من أربعمائة سنة. يصف شيكسبير هذا الزمان الذى حلت فيه الفوضى والفساد محل النظام وهى الحالة الأسوأ التى يمكن أن تمر بها أى دولة فى تاريخها من وجهة نظره الواضحة تماما فى عدد كبير من مسرحياته. يقول شكسبير إن زمن الفوضى يمكن معرفته عندما يميل رجال الدين إلى الشكل دون الجوهر، إلى اللفظ دون معانى الكلمات. عندما تكون الحيلة أمام كل جبان أن يقوم برفع القضايا على كل محترم، عندما نقوم بحرق العاشقين بجرم الغرام ونكرم فى ذات الوقت المجرمين والمرتشين ورجال العصابات. عندما يستوى عند القانون إقامة العدل أو ترسيخ أسس الفساد ونشر الظلم بين أفراد الشعب. عندما لا يشتكى القادة والعسكر من الفاقة بل على العكس ينعمون برغد العيش. ويصبح الشريف فى محل دفاع عن نفسه من شتامين لا يملكون اللسان ولا العقل وإنما يمتلكون سلاح النميمة الفتاك. أما القادة فيرتدون من الزهو حلة الخيلاء ويصبحون ملوكا للموضة حتى أن الحائكين يتعلمون منهم الهندام وحلو الملبس وليس العكس. وينتشر فى هذا الزمان شخصية المتسلق اللبلاب الذى ينمو على أجساد من يتملقهم، فيقول موجها حديثه إلى هذه الشخصية فى ترجمة العلامة الأديب د.محمد عنانى، وأنا هنا أقتطع من النص: وغد خسيس، تأكل من بقايا المائدة، حقير، متعجرف، ضحل، صعلوك، قذر، يتطلع معجبا إلى المرآة ويقدم خدماته دون طلب، وخدماته فى أن يكون قوادا. ولست إلا مزيجا من الوغد والشحاذ والجبان والقواد.

وكما نرى فالفوضى والفساد واحدة فى كل العصور وفى كل الممالك، إذ كانت ممالك ملكية أو ممالك جمهورية، فى السند أو الهند أو انجلترا أو عندنا فى بلادنا، فى القرن العاشر الهجرى أو الميلادى أو الآن. لا يهم الزمان أو المكان، وإنما ما يهم أنها عندما تحل ينهار النظام وتنهار المؤسسة وينهش الكلاب لحم الفقراء. فما يصفه شكسبير دقيق فى وصف الحالة التى نعيشها الآن.

فالدين أصبح على أيدينا وكما يبدو لى شكلا ومظهرا وملبسا وليس جوهرا. يتحدث الجميع عن انتماءاتهم الدينية بكل فخر وما نشهده من فساد وعمليات رشوة وصراخ وعويل وشتائم يجعلنا نتساءل أين كل ذلك من صحيح الدين؟ يتحدث شكسبير عن الجبناء الذين امتهنوا مهنة رفع القضايا على الجميع. وهو أمر أصبح منذ سنوات ظاهرة مصرية تستحق الدراسة المتأنية وقد قام بعرضها الأديب عزالدين شكرى فى روايته الجميلة «غرفة العناية المركزة» بصورة مفصلة. يتحدث شكسبير عن حلة الخيلاء ومن ينسى اختيار الرئيس السادات واحد من أكثر رجال العالم أناقة. يتحدث عن إقامة الظلم وليس العدل عن طريق نظام قضائى غير فعال، فاللجوء إلى القضاء فى مصر الآن راحة للظالم فهو يستطيع أن يمد حبال الزمن مع النظام القضائى الحالى إلى عدد من السنوات تجعله المنتصر فى النهاية، هو نظام لا يتماشى مع مقتضيات مجتمع اليوم.

أما شخصية المتسلق الموجودة فى كل المجتمعات وفى كل الأزمنة فتتقلص فى ظل دولة القانون وتزدهر فى ظل دولة الفساد، وهى الآن فى مصر شخصية حاضرة فى كل موقع. وقد تلقيت اليوم رسالة إلكترونية لو صحت فهى تعلى من هذه الشخصية لآفاق أظن أن شكسبير لم يكن ليحلم بها فى كوابيسه. وهى رسالة مرفق بها صورة لامتحان التربية الفنية للصف الأول الثانوى لامتحان نهاية الفصل الدراسى الثانى عام 2004/2005 فى مدرسة العريش الثانوية البنين. ومكتوب فى ورقة الامتحان:

«أولا التعبير الفنى: تشهد الأيام القادمة منعطف (قاموا بحذف الألف) خطيرا فى مصر للرؤية المستقبلية للشعب المصرى لتحديد الأهداف والأولويات لتحسين حياة الفرد والرئيس حسنى مبارك قائد له تاريخ مستمر واستطاع أن ينقل مصر نقلات حضارية فى الاقتصاد والسياسة والتعليم والثقافة والزراعة والاستقرار والأمن وحرص على عدم المساس بأصحاب الدخل المحدود وسعى لتحسين أحوال المعيشة ووضع خططا خمسية متتالية لازدهار التنمية وحرص على إقامة مدن جديدة ومشروعات ضخمة مثل (توشكى وشرق العوينات وترعة السلام) لرفع معيشة أبناء الوطن فلا يحتاج الرئيس لدعاية انتخابية والكل سيقول كلمته «نعم» يوم الانتخابات للرئيس مبارك. المطلوب: عبر بقلمك وألوانك عن إحدى المشاهد التالية:

ــ مشهد من مشاهد التأييد الانتخابى للرئيس مبارك فى الشوارع أو داخل اللجنة الانتخابية. ــ مشهد من مشاهد الإصلاح والخدمات فى مصر على يد الرئيس مبارك.

ثانيا التصميم الابتكارى: داخل مستطيل مساحة 30 سم x 15سم صمم شعار تأييد للرئيس مبارك فى الانتخابات القادمة مستخدما الرموز المناسبة على أن تكتب عبارة «نعم لمبارك» داخل التصميم واستخدم الألوان التى تناسب الشعار».

انتهى الامتحان وأعتذر عن الإطالة حيث إننى وجدت أن هذا الامتحان نموذجا سرياليا لما كان يقصده شكسبير بالفوضى وما كان يرميه فى وصف هذه الشخصية الخالدة المرافقة لكل أزمنة الاضمحلال التى مرت على بلادنا منذ بدء الخليقة وحتى الآن. ما العمل ونحن نعرف المرض ونعرف طريقة العلاج منذ قرون وقرون وأجدنا فى حالة عجز مطلق أمام الفوضى التى عمت وسيطرت؟

خالد الخميسي  كاتب مصري