قرار إلغاء الطوارئ بين الدوافع والعقبات - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 11:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قرار إلغاء الطوارئ بين الدوافع والعقبات

نشر فى : الإثنين 23 مارس 2009 - 5:17 م | آخر تحديث : الإثنين 23 مارس 2009 - 5:17 م

 تواترت خلال الأسابيع الأخيرة أنباء كثيرة عن قرب تقديم الحكومة مشروع قانون مكافحة الإرهاب إلى البرلمان للموافقة عليه وبالتالى إلغاء حالة الطوارئ المفروضة منذ نحو تسعة وعشرين عاما. وأكدت نفس الأنباء والتحليلات التى دارت حولها، أن المسارعة بتقديم مشروع القانون قبل موعد انتهاء حالة الطوارئ فى يونيو 2010 تأتى تحت ضغوط أمريكية كثيفة بربط هذه المسألة بالزيارة المرتقبة للرئيس مبارك إلى واشنطن، بل جعلها شرطا لإتمامها. والحقيقة أن هذا الربط يبدو مقنعا بالرغم من عدم توافر أى معلومات عنه من جانب أى مسئول مصرى سواء عن العلاقات المصرية ــ الأمريكية أو عن ملفات الأمن المصرى الداخلى كالعادة، وتوافر كثير من الأنباء والتحليلات من الجانب الأمريكى تؤكد وجوده كالعادة أيضا.

والحقيقة أن هذه الطريقة من المسئولين المصريين، كبارهم وصغارهم، فى التعامل مع شعبهم الذى يحكمونه، نخبة وجماهير، باتت تقليدية ومعتادة، فالمصريون هم آخر من يعلم بما تقوم به حكومتهم ووراءها حزبها الوطنى الديمقراطى الذى يزعم أنه يمثل أغلبيتهم ويحكم باسمهم. كذلك ليس جديدا فى تاريخ العلاقات المصرية ــ الأمريكية أن نجد حكومتنا وحزبها تتخذ قرارات مهمة تتعلق بالشئون الداخلية المصرية بناء على رغبة أو طلب أو احتجاج من الحليف الأمريكى الذى تكون الاستجابة له عادة فورية وأسرع عشرات المرات من الاستجابة للرغبات أو المطالب أو الاحتجاجات التى تأتى من جانب فئات وقوى متعددة داخل مصر. فإلغاء حالة الطوارئ طوال الأعوام التسعة والعشرين الماضية هو المطلب الأول لجميع القوى الحية فى مصر التى ضمت أطياف المعارضة جميعها، بالإضافة لبضعة أصوات منفردة أتت خافتة من داخل صفوف الحزب الحاكم. ومع ذلك فلم يكن لكل هذا الإجماع وذلك الإلحاح على إلغاء الطوارئ أن يدفع نظامنا السياسى برئيسه وحكومته وحزبه إلى إلغاء الطوارئ، وأتى الإعداد لزيارة واحدة للرئيس مبارك إلى واشنطن لكى يتكفل بتحقيق ما عجز عنه كل المصريين لثلاثة عقود متواصلة.

وبذلك، وفى حالة تحقق إلغاء الطوارئ وإصدار قانون الإرهاب قبيل زيارة الرئيس لواشنطن ــ أو فى أثنائها ــ تتأكد صحة الاستنتاج الذى ذهبت إليه بعض التحليلات منذ طرح تعديل المادة 76 من الدستور فى فبراير 2005 لاختيار الرئيس بالانتخاب وما تليه من زخم سياسى واسع وانتخابات رئاسية وبرلمانية فى نهاية نفس العام، من أن الدافع الرئيسى لقيام النظام السياسى المصرى ببعض الإصلاحات السياسية الداخلية على محدوديتها إنما يأتى من الرغبات أو الطلبات أو الضغوط الأمريكية وليس من شعوره بضرورتها ولا من استجابته لما يطلبه المصريون وقواهم السياسية منه. وهذا الاستنتاج الأقرب إلى الصحة والدقة، وإن كان يسعد بعض المصريين لتحقيقه بعضا من أحلامهم فى الإصلاح السياسى التى كادت تتحول إلى أوهام من فرط غياب الأمل فى تحققها، إلا أنه يصيب غالبيتهم بالحزن والأسى ليس فقط لأن نظامهم السياسى لا يضع مطالبهم واحتجاجاتهم فى اعتباره بقدر ما يفعل مع ما هو قادم منها من الولايات المتحدة، بل أيضا لأن مفهوم السيادة الوطنية للدولة المصرية على شئونها الداخلية قد بات مخترقا ومهلهلا بالرغم من جميع الادعاءات الحكومية بغير ذلك.

ما علينا، فمؤشرات متعددة باتت تميل إلى التأكيد على أن إلغاء حالة الطوارئ وإصدار قانون مكافحة الإرهاب قد بات على وشك التحقق. وهنا تظهر المفارقة المستمرة أيضا فى القرارات الكبرى التى يتخذها النظام السياسى المصرى، حيث إن أحدا من الحزب الوطنى أو حكومته لم «يكلف» خاطره حتى اللحظة بإعلام المصريين ــ نخبة أو جماهير ــ بأى معلومة ولو صغيرة عن مضمون مشروع ذلك القانون الذى بدأ الإعداد له قبل أكثر من أربع سنوات، ومن المؤكد أن صياغاته شبه الأخيرة قد انتهت منذ زمن بعيد. وحتى لا يصيب أحد منا الإحساس بالظلم، يكفى أن نعرف أنه لا أحد خارج الدائرة شديدة الضيق التى أوكلت إليها صياغة مشروع القانون برئاسة الوزير مفيد شهاب قد عرف أى شىء عنه، يستوى فى ذلك أعضاء الحكومة وقيادات حزبها الوطنى وأعضائها فى البرلمان بمجلسيه والمجلس القومى لحقوق الإنسان المفترض أنه الجهة الأولى التى يجب أن تعرف مضمونه لتنظر مدى توافقه مع شرعية حقوق الإنسان التى التزمت بها مصر وصدقت عليها. والحقيقة أيضا أنه لا شىء جديدا فى هذا، فتلك هى عادة النظام السياسى المصرى مع كل هؤلاء عندما يتعلق الأمر بإصدار تشريعات رئيسية تمس جوهره، فكلها تصاغ بطريقة «سرية» ويتم التدبير لعرضها فجأة على مجلسى البرلمان للانتهاء من إقرارها فى أقصر وقت ممكن عبر الأغلبية المضمونة للحزب الحاكم فيهما.

والحقيقة أن مؤشرات أخرى عديدة توضح أن النظام السياسى المصرى قد وجد نفسه فى مأزق حقيقى بالتعجيل بإلغاء حالة الطوارئ وإصدار قانون الإرهاب فى الموعد الذى لم يختره هو واختاره له «الصديق» الأمريكى، حيث لا تزال أمامه عدة عقبات عليه إزالتها وبسرعة. العقبة الأولى، تتعلق بالمعتقلين السياسيين الموجودين الآن فى السجون المصرية لفترات يزيد بعضها على عشر سنوات وكلهم تقريبا من الإسلاميين ويصل عددهم لنحو ثلاثة آلاف معتقل، حيث إن إلغاء الطوارئ يعنى الإفراج عن هؤلاء فورا من محابسهم، وهو الأمر الذى يبدو أن الجهات الأمنية تعترض على إتمامه الآن لأسباب شتى. ومن الواضح أن صائغى مشروع قانون مكافحة الإرهاب يعكفون هذه الأيام على محاولة تخطى تلك العقبة الرئيسية وإرضاء الأجهزة الأمنية باختلاق نص فى القانون يبيح احتجاز هؤلاء المعتقلين لفترات طويلة أخرى بعد إلغاء الطوارئ، وبحجة خطورة بعضهم على الأمن، والسعى لدراسة وتوفيق أوضاع البعض الآخر. وتتمثل العقبة الثانية، فى عدم قدرة قانون مكافحة الإرهاب أيا كانت عمومية وغموض مواده على الوفاء باحتياجات الحكومة وأمنها فى التضييق على تحركات المعارضة والاحتجاجات الشعبية المتزايدة والتى يوفرها لها بسهولة قانون الطوارئ، فالأمن السياسى، بحسب رؤية النظام المصرى له، كان من أبرز المهام التى أنيط بحالة الطوارئ تحقيقها خلال العقود الثلاثة التى فرضت فى أثنائها. ولا شك أن إنجاز هذه المهمة سوف يجد تجليات كثيرة له فى مشروع قانون مكافحة الإرهاب، إلا أنها لن يصل المستوى المثالى الذى يمثله قانون الطوارئ.

أما العقبة الثالثة، فهى تتمثل فى عدم رضاء الأجهزة الأمنية المختصة بالأمن السياسى وجزء من المختصة بالأمن الجنائى والعاملين فيها عن إلغاء حالة الطوارئ بعد أن أصبحت خلال سنوات فرضها الطويلة أهم أدواتهم وأسهلها فى فرض الأمن، حسب المفهوم الذى وضعه لهم النظام السياسى، فأصبحوا غير قادرين اليوم على التعامل مع المصريين ــ نخبة وجماهير ــ بدون صلاحياتها الواسعة الفضفاضة التى أطلقت أيديهم فى البلاد دون قيود. والأرجح أن صائغى مشروع قانون مكافحة الإرهاب قد راعوا ــ وما زالوا يحاولون ــ هذه المطالب الأمنية فى مواد مشروعهم، الأمر الذى يمكن أن يجعل منه مجرد نسخة مطورة قليلا من قانون الطوارئ. وتأتى العقبة الأخيرة على الأرجح من الجانب الأمريكى وهى تتناقض مع العقبات الثلاث السابقة، حيث إن إدارة الرئيس أوباما التى تغير اليوم من المفاهيم الأمنية الضيقة التى وضعتها إدارة الرئيس السابق بوش فى مكافحة الإرهاب وتنفتح أكثر على حقوق الإنسان، لن تقبل بسهولة أن يلغى النظام المصرى حالة الطوارئ شكليا ويستبدلها بقانون دائم يحمل اسم «مكافحة الإرهاب» فى حين أن مضمونه الحقيقى سيكون هو مكافحة السياسة وضرب حقوق الإنسان.

والسؤال هنا هو: كيف سيمكن للنظام المصرى وصائغو قوانينه أن يوفقوا بين كل الاعتبارات السابقة ويتخطوا تلك العقبات المتناقضة؟ فى كل الأحوال، نحن المصريين فى انتظار النتيجة، وحتى ذلك ندعو لهم بأن يكون الله فى عونهم.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات