ميت وغلطان! - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 11:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ميت وغلطان!

نشر فى : الأحد 21 يونيو 2009 - 6:23 م | آخر تحديث : الأحد 21 يونيو 2009 - 6:23 م

 ونار الثانوية العامة تشتعل هذه الأيام، يثور أولياء الأمور علانية على صعوبة الأسئلة، ويتساءلون عن اضطهاد مستقبل أبنائهم.. يخرج السادة المسئولون يلومون الآباء والأمهات الذين تركوا مناهج الوزارة وكتبها التى يأتى منها الامتحان ويضعون مستقبل فلذات أكبادهم تحت رحمة المدرسين الخصوصيين.. والكتب الخارجية واللوم كل اللوم لكل أب وكل أم غاب ابنهما عن المدرسة.. الوزارة التى تركت المدارس بلا تعليم وأهملت التلاميذ.. وغاب عنهم المدرسون لم تخطئ.. ولم يخطئ أى مسئول أو أى شخص فى الحكومة، بل الذين غاب عنهم التعليم وأهملهم المدرسون وبات مستقبلهم مهددا بالضياع هم المخطئون!

والذين يركبون البحر فى الليل البهيم بحثا عن شاطئ آخر.. عن بلاد أخرى تحنو عليهم وتمنحهم فرصة العيش بكرامة.. تمنحهم العمل والرعاية الصحية.. تمنحهم الحياة.. ثم يموتون غرقى فى أعماق بحار لا يعرفونها ولا تعرفهم عبر مراكب لا تقوى على هذا الحمل، ولا تقدر على هذه الحمولة.. هؤلاء الشباب الذين يهربون من جحيم البطالة والجلوس على المقاهى أصبحوا فجأة مسئولين عما حدث لهم.. أما الذين قطعوا عليهم الطريق وسدوا فى وجوههم الأبواب.. الذين باعوا المصانع والشركات.. وأتوا بعمالة أجنبية.. أو منحوا الفرص كل الفرص لأبناء الذين تعلموا بعيدا عن مدارس الحكومة.. وفلحوا وأفلحوا.. الذين فعلوا كل ذلك هم الذين يتساءلون صباح مساء بدهشة كاملة.. لماذا يهرب هؤلاء الشبان من هذا الوطن الجميل؟!

لماذا يفعلون ذلك.. لماذا يركبون هذا الخطر؟! ومنهم من لا يخجل ويشير بأصابع الاتهام إلى أن هؤلاء الغرقى من الشباب هم ضحية أنفسهم وضحية عقولهم البليدة الخربة التى تبحث عن جنة مزعومة على الشاطئ البعيد.

أما الملايين التى تعانى من فيروسات الكبد بأحرفه المختلفة.. أو الذين أصابهم الفشل الكلوى فلأنهم أناس مهملون فى صحتهم لا يشربون الماء النظيف ويفضلون مياه الترع الراكدة التى تمرح فيها البلهارسيا وتخلفهم وجهلهم هو السبب فى ذلك.. وكالعادة الذين لم يوفروا مياه الشرب النظيفة لهؤلاء.. هم الذين يعلنون الاتهام صراحة لكل من لحقه فيروس كبدى أو فشل كلوى.. بسبب سلوكياتهم المعيشية غير المنضبطة!! وهم أيضا من وجهة نظر مسئولين آخرين لا يستجيبون للعلاج لأنهم يؤمنون بالخرافات وبالوصفات الشعبية والبلدية.. وكأن المستشفيات جاهزة تنتظر بأسرّتها المجهزة وأطبائها المؤهلين لعلاجهم وهم يتجاهلونها.

..الأمثلة لا تنتهى، فهذا ما يضرب جنبات الحياة فى مصر.. الدولة لا تشعر بخطاياها، ولا تحس بأخطائها.. ولا تتوقف طوال الوقت عن البحث عن جناة فى كل حادثة تصيب هذا الوطن أو تضرب أحشاءه.. جناة بعيدا عن رجال الحكومة.. حتى لو كان الجناة هم أنفسهم الضحايا!


..أذكر منذ عدة سنوات.. وفى ساعة متأخرة من الليل، صدمت سيارة فارهة رجلا يعبر الطريق.. طار الرجل وهوى على الأرض بقسوة.. كنت أسير خلف السيارة التى صدمت هذا المسكين.. توقفت السيارات وهبط الناس جميعا.. فى محاولة لإسعاف الضحية.. وللأسف كان المسكين قد فارق الحياة.. والدماء تغطى وجهه.. ثم تقدم قائد السيارة التى صدمته.. للأمانة لم يهرب الرجل، تحمل مسئوليته كاملة.. وأزاحنا بيديه بطريقة متكبرة.. ونظر للرجل الممدد على الأرض.. نظرات جامدة.. ثم بدأ يقول بجمل عاتية عاتبة.. وهو يشير إلى «الجثة».. إلى أنه رجل غير مكترث.. وكيف يعبر الطريق من هذا المكان.. وبهذا الإهمال دون أن ينظر إلى السيارات التى تسير فى الشارع، وقبل أن يكمل عتابه قال له المحيطون بالجثة: إن الرجل قد مات.. وهنا هتف قائد السيارة: وإيه يعنى.. ميت وغلطان!!

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات