مؤتمر الموت المفاجئ - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 12:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤتمر الموت المفاجئ

نشر فى : الإثنين 20 يوليه 2009 - 8:09 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 يوليه 2009 - 8:09 ص

أنحاز دومًا للصورة، وأعتقد أنها الوسيلة الجيدة والفعالة للتعبير عن أى حدث، سياسى أو اقتصادى.. اجتماعى أو رياضى، وأعتقد أيضا أن الصورة تحوز دومًا ببطولة اللحظة الآنية، وتتفوق على الحروف المكتوبة.. من الصورة نستطيع أن نقرأ جيدًا ما حدث، والعكس غير صحيح، فالحروف المكتوبة لا تطلعنا جيدًا عن صورة ما حدث، وإذا كانت الصورة تفوز بلحظة الحاضر، فإنها ملكة متوجة لأحداث التاريخ، فى حين تظل الحروف المكتوبة فى حالة تبعية كاملة لها وخضوع منطقى للحياة التى تشع من الصورة.

منذ أيام شاهدت الصور البديعة لجبروت الإنسان وهو يدق أرض القمر بأقدامه.. وهو يسير بخيلاء العلم على سطح معلق فى سماوات بعيدة.. وصور لكوكب الأرض من سطح القمر.. لقارة أستراليا .. لظلال السيد رائد رواد الفضاء أرمسترونج.. هذه الصورة تكفى لأن تعود للوراء 40 عاما.. لأن تنتعش الذاكرة بهذا المجد الإنسانى.. بل الصورة أيضا تفتح ملفات الذين ينكرون هبوط الإنسان على سطح القمر المضىء.. الصورة من دون كلمات.. من دون الحروف المكتوبة، تقرأ لنا ما حدث فى يوليو من عام 1969 وتكشف لنا حجم الثورة العلمية التى حدثت فى ذلك العام.. وتقدر جيدًا التحديات التى تخوضها البشرية.

ومن صور القمر البديعة التى نشرتها «الشروق» إلى صور باندوج 1955 وهى الصورة التى شاهدتها كثيرًا عبر سنوات طويلة معجبًا أو متأملًا.. محترفًا باستخدامها فى عمل تليفزيونى، أو هاويا للمتعة ولإنعاش الروح بأيام مجيدة.. ثم شاهدتها مؤخرًا مع اقتراب موعد انعقاد قمة عدم الانحياز فى شرم الشيخ.. تفاعلت مع الجماهير مع عبدالناصر وسوكارنو.. نهرو وتيتو.. وعشرات الأسماء لقادة وزعماء.. صنعوا لحظة مواجهة القطبين.. فى الصور يمكن أن ترى تحدى أمريكا.. والجدل مع الاتحاد السوفييتى.. فى الصور لحظة انتصار لدول ناهضة أو أفكار ساحقة نابضة.. صور تعلن بوضوح عن ميلاد جديد لقوة شعوب حرة انتزعت الاستقلال.. ثم أعلنت عن قوتها وحريتها وعن هامات مرفوعة أمام العالم حتى لو كانت به قوة باطشة مثل أمريكا.. وأفكار مثل الاتحاد السوفييتى.. صور تعبر عن مواجهة الهيمنة.. وعدم الخضوع للغطرسة ومجابهة الخنوع للذل.

ومن شرم الشيخ جاءت الصور، حاولت البحث عن أى معنى أو دلالة.. حاولت قراءة أى شىء، أى تعبير يمكن أن يتمخض عنه هذا الملتقى الجبار.. حاولت البحث عن أبطال اللحظة.. عن أى دلالة للقوة فى هذا الاجتماع المارد.. أو أجد حتى بقايا رائحة باندونج.. حاولت البحث عن أى شىء يطمئن القلب أو ينعش الروح.. حاولت البحث عن أى بدايات للمجد حتى لو كانت ضبابية.. فى بلجراد 1961 كانت الصور تعكس رغبات قادة 25 دولة فى ضرورة تغيير العالم، فى تقديم مفهوم مختلف لقوة مختلفة ما بين الشرق والغرب.. فى صور قمة بلجراد كانت الصور تنطق بأن العالم يتغير.. وفى شرم الشيخ بعد 28 عاما ومع قادة 118 دولة أعضاء الحركة (عدم الانحياز) وقادة 17 دولة و9 منظمات دولية بصفة مراقب (زادوا هذه القمة بدولة الأرجنتين ومنظمة سلام) لا توجد صورة واحدة تعكس أى معنى من معانى القوة أو أن هؤلاء الناس لديهم أى كلمة مختلفة عما يقال فى جنبات العالم.. بينما جاءت غالبية دول العالم بوفود تفوق الألف شخص، ومثلها من أصحاب الدعوة (مصر).. ناهيك عن أعداد الأمن.. والأهم ما يقرب من ألف صحفى.. ومع ذلك لم نسمع شيئا عن المؤتمر.. فقط أخبار على هامشه وطرائف سياسية ودبلوماسية ثم كميات مذهلة من الكلام غير المفهوم الذى لا يقدم ولا يؤخر.

من شرم الشيخ لم تصل إلينا أية أنباء عن قوة هؤلاء.. فقط صور مميزة لملك ملوك أفريقيا، وحكايات عن وفد بوليفيا ونبتة الكوكا (التى يصنع منها مخدر الكوكايين) حيث حاول الوفد أن تشاركه الدول مكافحة المخدرات.. وجاءنا من شرح الشيخ أن فاروق حسنى وزير الثقافة شارك فى حفل عشاء وزراء الخارجية، وحاصر منافسته على اليونسكو بنيتافريرو، وأن وزير خارجية إيران سافر إلى طهران لعدة ساعات ثم عاد ليفشل فى تأجير قاعة لعقد مؤتمر صحفى.. وربما كانت أبرز الأحداث السياسية هى لقاءات الهند وباكستان والتى لم تتم منذ تفجيرات بومباى وكذلك اعتراف الدومنيكان بدولة فلسطين،

أعرف أن حركة عدم الانحياز أصبحت معروفة فى أوساط الدبلوماسيين والسياسيين بحركة «علاقات عامة».. وأعرف أيضا أن القمة السابقة فى هافانا كانت مثل شرم الشيخ.. لكنى أتحدث عن صخب مجرد صخب.. وهو الأمر الذى لم يحدث.. فبمجرد أن جاء صباح اليوم التالى اختفت تماما أخبار أو توابع المؤتمر من جميع وسائل الإعلام.. لا الصحف نشرت ولا قنوات التليفزيون عرضت.. وحتى وكالات الأنباء لم تجد ما تبثه.. واختفى الصحفيون.. وداهم المؤتمر موت مفاجئ.. وليبقى المجد والنجاح السياسى فى دفاتر التاريخ فقط.. أما الآن.. 
 

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات